
نبض للوطن
أحمد يوسف التاي
آليات القمع السلطوي لن تحقق استقراراً
(1)
عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في الإطاحة بنظام البشير، أشرتُ إلى أن أكبر خطر يمكن أن تواجهه الثورة أمران هما: اللهث خلف الانتقام و”فش الغبينة” بدوافع سياسية أو شخصية، ومحاولة إقصاء الخصوم وقهرهم بأجهزة السلطة القمعية وآلياتها.
الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها هي أن كل محاولات الإقصاء وإلغاء الآخر واستئصاله بأجهزة القمع السلطوي ستقود في النهاية إلى كوارث وحرائق.
قلتُ وقتها: لا تستعدوا كل أنصار النظام المخلوع ومنسوبيه وفقاً لعبارة (أي كوز ندوسو دوس)، فهم ليسوا كتلة واحدة وليسوا سواء، منهم الصالحون ومنهم الفاسدون ومنهم دون ذلك.
كنتُ وقتها أظن عبارة: (أي كوز ندوسو دوس) مجرد هتافات يطلقها الشباب في لحظات الهياج الثوري الشبابي، حتى تفاجأتُ أن الأمين العام للمجلس السيادي يطلقها داوية داخل إحدى القاعات وسط حضور كبير، فأيقنت وقتها إننا لم تعلم شيئاً من دروس التأريخ المجانية.
قلتُ ايضاً: أن المنجاة من الإنزلاق واختطاف الثورة هو إعمال القانون بعدالة ونزاهة وموضوعية لمحاسبة كل من ارتكب جريمة في حق الشعب السوداني والوطن، بعيداً عن أخذ القانون باليد والمكائد السياسية وتصفية الحسابات، والبعد عن المحاكمات السياسية التي درج عليها النظام المخلوع..ولاشك ان نتيجة كل ذلك رأيتموها رأي العين، ولا أظنكم بحاجة إلى التذكير بما “حدث”.
(2)
الآفة الثانية بعد اللهث خلف الانتقام و”فش الغبينة”، هي محاولات الإقصاء واستئصال الآخر وإلغائه بأجهزة القمع السلطوي وإطلاق المحاكمات السياسية وإصدار أحكام سياسية على الخصوم السياسيين. وهي أمور ظلت مكررة عايشناها أيام نظام البشير، وتجددت ايضاً وقع الحافر على الحافر في عهد حكومة حمدوك، والآن نعيشها أيضاً في عهد السلطة القائمة الآن.
هذه العقلية السياسية المتحجرة، وهذا النهج العقيم إن لم يتغير فإن الاستقرار السياسي لن يكون متاحاً أبداً في بلد يقف على فوهة بركان هائج متفجر أصلاً.
إن الإقصاء السياسي ومحاولات إلغاء واستئصال الآخر هو “شفرة” التحكم الوحيدة في “ثيرمومتر” الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي صعوداً وهبوطاً. فكلما قل الإقصاء وتلاشت محاولات استئصال الخصوم ارتفعت معدلات الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، على اعتبار أن الاستقرار السياسي هو المدخل الوحيد لاستقرار الأمن والاقتصاد والنهضة والبناء الوطني، وكلما زاد العزل والاقصاء والاستئصال والرغبة الجامحة في الانتقام كلما كان الاستقرار في كف عفريت وسادت الفوضى.
(3)
الآن، ذات النصائح التي أسديناها للقائمين على قيادة حكومة الثورة ولم يأخذوا بأحسنها وأعماهم اللهث خلف الانتقام، نعيدها للذين يتحكمون الآن في خطام راحلة الوطن الوَحِلة. إن أردتم انتشال الوطن من هذا الوحل والركام والأنقاض، اجعلوا القانون هو شعار المرحلة. لا عقوبة لأحد بغير نص قانوني، ولا إقصاء سياسي لأحد إلا وفق القانون، ولا تجريم ولا تخوين لأحد إلا بنص القانون.
اجعلوا القانون فوق الجميع، فهذا أدعى لتحقيق الرضا العام لنفوس كادت أن تفقد الثقة في أجهزة الدولة العدلية. اجعلوا القانون هو الحكم، اجعلوه ثقافة مشاعة بين الناس.فهذا هو ما يحقق الأمن والاستقرار والنهضة والرضا..
(4)
أعود وأقول إن الإجراءات التعسفية وآليات القمع السلطوي لن تحقق استقراراً ولا عدالة ولا أمناً ولا نهضة، بل تنتج الغبن والمرارات والأحقاد السياسية والاجتماعية، وتعظم الحاجة إلى الانتقام وأخذ القانون باليد وانتزاع الحقوق خارج إطار القانون. وهل يعني هذا إلا الفوضى؟ وهل تقود الفوضى إلا للمزيد من الحرائق والدمار؟…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.