
تحليل إتجاهات الخبر الممنوع
بقلم/ أحمد يوسف التاي
(1)
تابع العالم التطورات الأخيرة التي شهدتها الحرب في السودان ، وذلك على النحو الذي نحاه المتمردون في هجومهم المتواصل على المنشآت المدنية والبنى التحتية ، مثل محطات الكهرباء والمطارات ومستودعات الوقود ، والقواعد العسكرية الجوية والبحرية ومن قبل إلحاق أضرار كبيرة بالبنيات التحتية في الدولة ولاسيما البنية التحتية لمشروع الجزيرة، بما يشيء ان الحرب التي تشنها قوات الدعم السريع هي حرب إستراتيجية بالمعنى الحرفي للكلمة، ذلك بأنها استهدفت كل ماهو استراتيجي ومرتبط بالبنيات التحتية للدولة، ولعل التخريب الذي لحق بقطاع النفط والكهرباء ومشروع الجزيرة وحده أقوى دليل على تلك الفرضية..
فضلاً عن أستهداف المطارات ومستودعات ومحطات الوقود (الوقود كسلعة استراتيجية)، ومشروع الجزيرة ومشاريع أخرى
كمنتجة لأهم المحصولات الاستراتيجية..كل ذلك يحدث لشل حركة الدولة وإرغامها على القبول باي شروط يفرضها المتمردون، إذا نجحت الخطة.
(2)
العدوان الذي استهدف بورتسودان ليس معزولاً عما حدث في ولايات نهر النيل والشمالية وكسلا في المرحلة الثانية للحرب ..
وهي مرحلة لها أهدافها ووسائل تحقيقها..
فإذا كانت المرحلة الأولى من مراحل الحرب تهدف إلى تدمير البنيات التحتية للدولة وشل حركتها تماماً لإجبار الجيش على الإستسلام مع التوسع والتمدد والانتشار في مساحات واسعة ، فإن المرحلة الحالية والتي اُختزلت الآن في الهجوم على مركز قيادة الدولة الحالي (بورتسودان) لها أيضاً اهداف مختلفة عن المرحلة السابقة…
وجوهر هذه الاهداف هو إجبار الجيش على التفاوض.
(3)
ولمزيد من التفصيل في هذا الحانب وبناءً على معطيات محددة يمكن الإشارة إلى جملة من أهداف العمليات الأخيرة التي استهدفت ولايتي الشرق (كسلا والبحر الاحمر)، ولاسيما بورتسودان
مركز قيادة الدولة البعيدة والمحصنة نوعاً ما..
ووفقاً لمنهج التحليل القائم على المعطيات والمعلومات الظاهرة للمراقب السياسي على الأقل، يمكن الإشارة إلى عدد من الاهداف وذلك على النحو التالي:
( أ ) قد يتبادر إلى الذهن ان اول هدف من الهجوم الأخير على “مركز قيادة الدولة ” هو تكثيف الضغوط على الجيش وقيادة الدولة وإرغامهما على التفاوض والتسوية السياسية، والدليل على ذلك دعوة حميدتي أمس للسلام والتسوية السياسية.
(ب) صرف نظر الجيش السوداني الزاحف نحو دارفور وكردفان، ووقف زحفه نحو الغرب وتشتيت جهوده لتخفيف الضغط على قوات التمرد في شمال دارفور.
(ج) لفت نظر الوسطاء الإقليميين والدوليين والامم المتحدة لزيادة وتيرة مساعيهم وجهودهم الرامية للحل السياسي والتسوية.
(ج) إحداث ربكة وخلق حالة إضراب في مركز قيادة الدولة وإظهار عجزها عن التصدي لسيول المسيرات الاستراتيجية المتدفقة، وإعطاء إنطباع بان الدعم السريع قادرة على الوصول لاقصى نقطة في السودان.
(هـ) الثأر لما حدث في مطار نيالا تلك الصفعة المجلجة التي جرحت كبرياء الإمارات والدول الأخرى الداعمة التمرد والتي فقدت كبار خبرائها.
(4)
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه…هل تستجيب الخرطوم لهذه الضغوط؟…
الإجابة بكل بساطة تقول: (لا) وذلك لأن التجارب السابقة كلها اثبتت ان السودانيين حكومات متعاقبة وشعب لاترضخ للضغوط ولاتستسلم مهما تعاظمت تلك الضغوط (رجالة كدى) وذلك امر مرتبط بطبيعة الشخصية السودانية التي تحمل الكثير من “العناد” و”الكبرياء” وهما سمتان تمنعان الاستجابة للضغوطوالاستسلام ، وذلك ايضاً امر مرتبط بصفات الرجولة عند السودانيين :(نموت كلنا ولانفعل هذا).. والتراث السوداني والسياسة السودانية مليئان بمثل هذه المواقف، على مستوى الفرد والجماعة والدولة..
كما ان التجارب كلها اثبتت ان السوداني يمكن ان يتنازل عن أغلى شيء في حياته في الظروف التي تخلو من الضغوط والتهديد…فالتهديد والضغوط يغذيان عناد السوداني وهذه امور مرتبطة بطبيعة الشخصية السودانية سواءً أكان حاكماً او محكوماً..حتى رجل الدولة الذي يحب ان يتصرف بكونه رجل دولة تغلب عليه طبيعة الشخصة السودانية…