
بقلم/سمير سيد عثمان
في خضمِّ الدمار الذي خلَّفته حربٌ طاحنة استمرت لعامين ،، يطلُّ السودان اليوم على مفترق طرق مصيري ،، إمَّا أن يغوصَ في وحل التردي ،، أو ينهض من رماده ليُعيد بناء أركان دولته ،، مستندًا إلى موارده الهائلة وإرادة أبنائه ..
هنا تبرز *المصارف المتخصصة* كجسرٍ يعبر به الوطن من مرحلة الدمار إلى آفاق الإعمار ،، عبر استثمار كفاءاتها الفريدة في قطاعات حيوية تُشكِّل عصب الاقتصاد السوداني ..
لماذا المصارف المتخصصة لدور الإعمار ؟
لقد شهد السودان خلال السنوات الماضية تحديات كبيرة ودمارًا غير مسبوق في بنيته التحتية واقتصاده الوطني بسبب الأزمات والحروب ..
لكن على الرغم من هذه المحن ،، هناك فرصة حقيقية اليوم لإعادة بناء هذا الوطن العزيز وإعادة تأهيله ليكون في مصاف الدول المتقدمة ..
إن تحقيق هذا الهدف العظيم يتطلب التعاون بين جميع مؤسسات الدولة ،، وخاصة البنوك المتخصصة التي تمثل القوة الدافعة لعجلة الإعمار والتنمية ..
من بين هذه البنوك المتخصصة ،، أربعة تمثل العمود الفقري لإعادة بناء السودان *مصرف التنمية الصناعية ،، البنك الزراعي السوداني ،، بنك الثروة الحيوانية ،، والبنك العقاري السوداني* ..
هذه البنوك لا تمتلك فقط القدرة على إعادة بناء ما دمرته الحرب ،، بل إنها تحمل في طياتها آمالاً كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة في البلاد ،، عبر دعم القطاعات الحيوية والضرورية للنمو الاقتصادي والاجتماعي ..
*مصرف التنمية الصناعية*
هذا المصرف هو البوابة الأوسع لإعادة تأهيل القطاع الصناعي في السودان ،، وهو حجر الزاوية في خلق بيئة صناعية فعّالة ..
بما أن السودان يمتلك العديد من الموارد الطبيعية التي لم يتم استغلالها بشكل كامل ،، فإن مصرف التنمية الصناعية لديه القدرة على تمويل المشاريع الصناعية التي يمكن أن تنعش الاقتصاد السوداني وتعيده إلى موقعه الصحيح في خريطة الإنتاج الصناعي العالمي ..
دوره أساسي في تيسير دخول الاستثمار في القطاع الصناعي ،، سواء في الصناعات التحويلية أو القطاعات ذات القيمة المضافة ،، من خلال التسهيلات التمويلية والخدمات المصرفية المتخصصة ..
*البنك الزراعي السوداني*
السودان بلد غني بالأراضي الزراعية الخصبة التي لم تُستغل كما ينبغي ..
من هنا يأتي دور البنك الزراعي السوداني في تحويل هذا القطاع إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ..
من خلال تقديم التمويل والإرشاد الفني ،، يمكن للبنك الزراعي أن يعزز الإنتاج الزراعي ويزيد من صادرات السودان الزراعية ،، مما يعيد له مكانته كأحد أكبر الدول المصدرة للغذاء في العالم ..
وبالتالي فإن البنك الزراعي يعد حجر الأساس لتحقيق شعار “*السودان سلة غذاء العالم*” إذ يملك القدرة على دعم كل مزارع سوداني وتحفيزه للانتاج المستدام ..
*بنك الثروة الحيوانية*
يعد قطاع الثروة الحيوانية من أهم مصادر الدخل في السودان ،، لما يملكه من إمكانيات هائلة في مجال الإنتاج الحيواني ،، خاصة في تصدير اللحوم الألبان ..
يوفر بنك الثروة الحيوانية الدعم المالي والتقني للمشروعات التي تهدف إلى تحسين الإنتاج الحيواني ،، مما يسهم في استدامة هذا القطاع وزيادة صادرات السودان من اللحوم والمنتجات الحيوانية ..
كما أن استثمارات البنك في تطوير الثروة الحيوانية يمكن أن تساهم في تحسين معيشة الأسر الريفية بشكل كبير ..
*البنك العقاري السوداني*
يأتي دور البنك العقاري السوداني في مرحلة حاسمة لإعادة بناء قطاع الإسكان والمرافق العامة ..
بعد سنوات من الخراب ،، يحتاج السودان إلى استثمارات ضخمة في قطاع البنية التحتية والإسكان لتعويض النقص الحاد في هذا المجال ..
من خلال تقديم التمويل المناسب للقطاع العقاري ،، يمكن للبنك العقاري السوداني أن يسهم في إعادة بناء المدن والمناطق السكنية التي دمرتها الحروب ،، بالإضافة إلى توفير حلول سكنية ملائمة للمواطن السوداني ..
إن الحديث عن الإعمار والتنمية في السودان لا يمكن أن يكتمل دون الإشارة إلى دور *مصرف الإدخار والتنمية الاجتماعية* الذي يمثل أيضا إحدى الركائز الأساسية المهمة في دعم الاقتصاد الوطني ،، خاصة في تمويل قطاع *صغار المنتجين*..
لا شك أن هذا المصرف كان ولا يزال في طليعة المصارف التي تسهم بشكل حيوي في بناء المجتمع ،، حيث يتوجه بكافة جهوده لدعم الأفراد في المناطق الريفية والعمالة الصغيرة ،، التي تشكل أساس اقتصاد السودان ..
لذلك لا يمكن إنكار أن هذا المصرف بحاجة إلى تعزيز شراكاته مع بقية المصارف المتخصصة في السودان ،، وذلك لضمان تقديم الدعم الكامل في عملية الإعمار ..
فعلى الرغم من أن مصرف الإدخار والتنمية الاجتماعية قد قدم الكثير من الجهود المبذولة لدعم الاقتصاد الوطني ،، إلا أنه يجب أن يتضافر مع بقية البنوك المتخصصة في *الزراعة، الصناعة، والثروة الحيوانية* للمساهمة في خطة شاملة لإعادة إعمار البلاد ..
إن إشراك هذا المصرف في الخطط الوطنية للإعمار ودمجه في *اللجان الحكومية* الخاصة بالمشروعات التنموية سيعزز من قدرته على دعم صغار المنتجين بشكل أكثر فعالية ..
ويمثل هذا الإشراك خطوة مهمة نحو ضمان استمرارية التمويل الموجه نحو قطاعات حيوية ،، والتنسيق الجيد بين المصارف المختلفة لتحقيق الأهداف التنموية المشتركة ..
إن القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها مصرف الإدخار والتنمية الاجتماعية هي دعم الإنسان السوداني المنتج ،، وهو ما يتماشى تمامًا مع رؤية السودان في الإعمار والازدهار ..
وعليه فإنَّ تعزيز التعاون بين مصرف الإدخار والتنمية الاجتماعية وبقية المصارف المتخصصة سيكون خطوة حاسمة نحو *إعادة بناء السودان* ،، عبر هذه اللجان مما يساهم في تمكين المنتجين السودانيين من العمل والمشاركة الفعالة في هذه المرحلة الهامة ..
لذلك نوجه نداء للدولة بقيام شراكة فعالة مع المصارف المتخصصة ..
إذن نحن في حاجة ملحة لإشراك هذه البنوك في كل المبادرات والمساعدات والمنح التي يتم تقديمها من دول الجوار ،، وفي مقدمتها *مبادرة المملكة العربية السعودية الشقيقة* التي بادرت بإرسال وفد رفيع المستوى لدراسة إمكانية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ..
إن هذه المبادرات تفتح الباب أمام السودان للانطلاق نحو مرحلة جديدة من الإعمار ،، ويجب أن تكون البنوك المتخصصة في قلب هذه العملية ..
في هذا السياق ،، يجب أن تضع الدولة هذه البنوك على رأس أولوياتها وتعمل على إشراكها في لجان الإعمار حتى تضمن سير العملية بشكل دقيق وفعال ..
ونتوقع أن تكون هناك تدفقات نقدية من المانحين ولتكن عبر هذه البنوك المتخصصة التي تشرف عليها وتراقبها *إدارة بنك السودان المركزي* ،، لضمان تطبيق أعلى معايير الشفافية والرقابة ..
*السودان بلد غني بالموارد* الطبيعية ،، بما في ذلك الثروة الحيوانية والمعادن والبترول والأراضي الزراعية الخصبة ..
لذلك لا بد من أن نستفيد من هذه الثروات عبر تحويلها إلى قوة اقتصادية تنافسية في الأسواق العالمية ..
لقد حان الوقت أن نترجم شعار “*السودان سلة غذاء العالم*” إلى واقع ملموس عبر البنك الزراعي السوداني وأن ندفع بالصناعة إلى الأمام عبر مصرف التنمية الصناعية لنرى ديباجة *صنع في السودان* في العالم اجمع ،، كما أن بنك الثروة الحيوانية يمتلك الإمكانيات اللازمة لتحويل الثروة الحيوانية إلى مصدر دخل مستدام ،، في حين يمكن لـ البنك العقاري السوداني أن يسهم بشكل كبير في إعادة بناء المدن والمرافق ..
إن إحياء هذه البنوك المتخصصة ليس مجرد ضرورة اقتصادية فحسب ،، بل هو خطوة ضرورية نحو بناء وطن قوي وقادر على مواجهة التحديات ..
ويجب على الدولة أن تلتفت إلى هذه البنوك وتضعها في موضع الريادة في مشاريع الإعمار المستقبلية ..
كلما تعاوننا بشكل أكبر وذو توجهات متكاملة ،، كلما كانت فرصنا أكبر في بناء سودان جديد ،، سودان يشهد مرحلة من الإعمار والازدهار التي طال انتظارها ..
إن البنوك المتخصصة هي بوابة السودان من *الدمار إلى الإعمار*، ويجب أن نعمل جميعًا معًا لتحقيق هذا الهدف الوطني العظيم ..
سمير سيد عثمان
…