
التغيير الوزاري: فوضى أم إصلاح؟
بقلم/ الطيب
شيقوق ( محامي- ومستشار قانوني)
حين يُصبح تبديل المناصب بديلاً عن إصلاح السياسات
في الدولة ذات المؤسسات الراسخة، لا يُنظر إلى التغيير في الطاقم التنفيذي بوصفه مجرد تبديل للأشخاص، بل يُعد ممارسة منضبطة تُبنى على تقارير الأداء وتستند إلى معايير الحوكمة والشفافية. فهو وسيلة لضبط المسار لا لتزيينه، وأداة لتصويب السياسات لا للتغطية على فشلها.
أما في واقعنا السوداني، فقد تحوّل التغيير الوزاري إلى طقس موسمي تُمارسه السلطة بلا تفسير، وتُروّج له كأنه إنجاز، بينما هو في حقيقته انعكاس لعجز بنيوي في إدارة الدولة، وغياب فاضح لآليات التقييم المؤسسي.
بات تبديل الوزراء يُنفّذ بلا مقدمات، ويُعلن دون تبرير، ويُتقبّل من الناس على مضض، كأنه قَدَر لا مردّ له.
—
وزارة الخارجية نموذجًا: غموض في التعيين… وصمت في الإقالة
لعلّ من أكثر الوزارات التي طالها هذا التخبّط وزارة الخارجية السودانية، التي يُفترض بها أن تكون مرآة للدولة في الخارج، وصوتها العاقل في عالم لا يعترف إلا بمن يُحسن الخطاب ويدير الملفات باقتدار.
غير أن ما شهدناه من تغييرات متلاحقة في قيادة الوزارة، دون تفسير موضوعي أو سرد شفاف، يُثير القلق حول منهجية اتخاذ القرار، وحول المعايير الحاكمة لاختيار من يُفوّضون لتمثيل السودان في المحافل الدولية.
يُقال المسؤول، أو يُنقل، أو يُحال إلى الظل، دون أن يُعلَن للرأي العام سبب الإقالة، أو يُعرض تقرير عن أدائه.
وإن سأل المواطن: “ما الذي جرى؟”، لا يأتيه من الجهات المعنية سوى صمت ثقيل، كأنما القرار شأن خاص، لا علاقة له بالمصلحة العامة.
ومن هنا ينبثق سؤال مشروع لا فكاك منه:
إذا لم يكن المسؤول المقال مستوفياً لشروط المنصب، فبأي منطق تم تعيينه ابتداءً؟
أهو غياب الكفاءة؟ أم حضور الولاءات؟ أم أنها صفقة ضمن تقاسم النفوذ بين مراكز القرار؟
مثل هذه الأسئلة لا تجد إجابة، لكنها تبقى معلّقة على جدار الوعي الوطني، تُغذّي الإحباط، وتُكرّس لفقدان الثقة بين المواطن والدولة، وتُعيق أي مسعى لبناء مؤسسات قادرة على النهوض.
—
حين يُستبدل البناء بالترقيع… ويُغيّب مفهوم الحوكمة
في أي نظام يسعى لترسيخ قيم الحوكمة الرشيدة (Institutional Governance)، تُعد الشفافية والمساءلة حجر الرحى الذي تدور عليه مؤسسات الدولة.
لكن في غياب هذين المبدأين، يغدو التغيير محض عبث سياسي، لا يسمن ولا يغني من جوع.
فتغييب الحقائق عن الرأي العام، والتعتيم على أسباب الإقالات، والانفراد بقرارات تتعلق بالشأن العام دون أي مساءلة، إنما هي علامات اختلال عميق في بنية الدولة، وإشارات واضحة على أن منطق السلطة لا يزال متقدمًا على منطق الدولة.
إن التعديل الوزاري، حين لا يستند إلى تقارير أداء، ولا يُبنى على تقييم مؤسسي، ولا يُصارح فيه الشعب بالحيثيات، لا يُعد إصلاحًا، بل يُصبح وجهًا آخر للفوضى.
—
ختامًا: لا بناء لوطن دون وضوح في الرؤية وصدق في المكاشفة.
آن لهذا البلد أن يُخاطب أبناءه بلغة الحقيقة، لا بلغة المناورة. وأن يُعلن مواقفه بشفافية، لا أن يدير شؤونه بالصمت والتكتم.
فالشعب الذي يُطلب منه أن يتحمّل أعباء الفقر، وتبعات الانهيار، وتكاليف الحرب، من حقه – في أقل تقدير – أن يُطلَع على ما يجري باسمه، وتُوضّح له أسباب القرارات المصيرية، لا سيما تلك التي تمس مؤسسات الدولة السيادية.
لا إصلاح بلا وضوح.
ولا دولة بلا مساءلة.
ولا رجاء في مستقبل أفضل، ما دمنا نبدّل الوجوه دون أن نبدّل السياسات، ونرفع الشعارات دون أن نغيّر .
فنظل ندور في فلك الخيبة، حيث لا إصلاح يُرجى، ولا دولة تُبنى.