تقارير وتحليلات

الحوار السوداني السوداني.. توجه إستراتيجي أم مناورة سياسية

قراءة / أحمد يوسف التاي

تحليل / أحمد يوسف التاي

(1)
تتبنى وزارة الخارجية السودانية الدعوة لحوار سوداني سوداني لا يستثني حزباً أو تنظيماً سياسياً، وذلك في إطار عملية سياسية شاملة تنشط فيها وزارة الخارجية اكثر من غيرها، مستندةً في ذلك إلى خطاب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في هذا الصدد.
ومن المهم ان ندرك بحسب الخطاب الإعلامي للحكونة ان التفاوض مع القوى السياسية، أمر مختلف عن التفاوض مع الدعم السريع، والذي يكون تفاوضاً حول الاستسلام، كما أعلن مسؤولو الحكومة.
(2)
مراقبون بالداخل والخارج وقفوا كثيراً عند عبارة (حوار سوداني لا يستثني أحداً)، وهي العبارة التي تشكل الآن محك اختبار لنوايا الحكومة القائمة، وتخرج من بين فرثها ودمها أسئلة مشروعة بيضاء من شاكلة: هل يشمل الحوار القوى المتحالفة حالياً مع قوات الدعم السريع المتمردة؟ وهل تضمن العملية السياسية الحوار مع تحالف “صمود”؟ وهل يشمل الحوار المؤتمر الوطني المحلول؟ ..وفوق كل ذلك ،هل يسبق انطلاقة العملية السياسية والحوار السوداني السوداني عفو عام يُسقط التهم التي يواجهها بعض أفراد القوى السياسية ال (45) المطلوبين لدى النائب العام، أم سيُقدم المتهمون  للمحاكمة الغابية بعد ايام كما هو معلن؟
(3)
بعض هذه الأسئلة الموضوعية أجاب عليها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، الذي مضى إلى أكثر من ذلك حينما أعلن عقب لقائه بالرئيس الجيبوتي أن الحكومة لا تمانع من الحوار والتفاوض مع قوات الدعم السريع (إذا نفذت إعلان جدة). وبالتأكيد، إن الحكومة التي تقبل بالحوار مع (الدعم السريع) ستقبل الحوار مع حلفائه السياسيين السابقين والحاليين.
الأسئلة نفسها أجاب عليها وزير الخارجية د. علي يوسف عقب لقائه الأسبوع الماضي مفوضة الاتحاد الأوروبي، وذلك عندما أكد أن الحكومة ترتب لإطلاق عملية سياسية مع القوى السياسية لا تستثني أحداً.
وفي حواره أمس مع قناة الحدث، أكد أن الحوار سيكون بين جميع الأحزاب والقوى السياسية بلا استثناء، وأن الاستثناء الوحيد  حصره الوزير في (من ثبت عليه جرم). بمعنى أن من تورط في جريمة ما مكانه قاعة المحكمة بدلاً عن قاعة الحوار. وزير الخارجية أيضاً أكد أن هذا قرار الدولة وتوجهها، حسبما أعلنه رئيس مجلس السيادة.
(4)
صحيح أن السلطة القائمة دعت لحوار لا يستثني أحداً، لكن السؤال الموضوعي الذي يطرح نفسه بقوة أمام المعارضين: هل هذه الدعوة تنطلق من موقف حقيقي وصادق وتوجه استراتيجي أم أنها مناورة سياسية لاستقطاب المعارضين إلى الداخل وتجفيف منابع دعم المعارضة الخارجية، وإضعافها واحتوائها بالداخل، كما يحدث في المواقف التاكتيكية لدى الحكومات؟..
(5)
للإجابة عن السؤال أعلاه، لابد أن نستدعي كل المعطيات والتجارب السابقة، خاصة في عهدي نميري والبشير، لتشابه الظروف من حيث وجود معارضة بالخارج بعضها مسلح، ووجود أوضاع غير مستقرة سياسياً بالداخل، وكذلك مهددات أمنية بالداخل والخارج.. بإلقاء نظرة موضوعية، تشير المعطيات إلى أن البون ما زال شاسعاً بين السلطة والمعارضة المدعوة للحوار، وأن بعض قيادات هذه القوى تواجه اتهامات عقوبتها الإعدام، وأن السلطات ما زالت تلاحقهم بنشرات الإنتربول وتهددهم بالمحاكمات الغيابية، مما قد يوسع هوة عدم الثقة، والتي تجعل عودة المعارضين للحوار أمراً صعباً، خاصة وأن الحكومة أعلنت من قبل عدم إمكانية إجراء أي حوار بالخارج. إذن، هذه كلها تشكل عقبات أمام انطلاق العملية السياسية، ما يجعلها أشبه بـ(عازومة المراكبية).
ويضاف إلى كل ذلك تناقض الخطاب الإعلامي الرسمي ما بين عدم الحوار مع (العملاء) ودعوة ذات (العملاء) للحوار، وبين التأكيد على أن الجيش لن يسلمها إلا لحكومة منتخبة، والدعوة الحالية لتكوين حكومة مدنية.
(6)
يرجح بعض المراقبين أن دعوة الحكومة الحالية أقرب إلى المناورة والتكتيك السياسي لتخفيف وطأة الضغوط الخارجية عليها والتي تمضي باتجاه انهاء وضعية انقلاب 25 اكتوبر وتكوين حكومة مدنية. ولعل ما يعزز ذلك هو أن تصريحات المسؤولين الحكوميين التي تبشر بالحوار وإطلاق العملية السياسية حدثت إما بالخارج عقب لقاءات مع (الرافعات) الخارجية، أو عقب زيارة مسؤول أممي أو أوروبي للبلاد.
(7)
تجربة دعوة الأحزاب المعارضة للحوار في عهدي نميري والبشير، خاصة في العهد الإنقاذي، كفيلة بتكوين انطباع عام راسخ يكرس في الأذهان عدم الجدية في الحوار وإنهاء المشكلات السياسية والتوافق على أسس راسخة وثوابت وطنية يمكن البناء عليها دولة مواطنة حقيقية يحكمها القانون والمؤسسات بالعدل والمساواة بين الرعية.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى