مقالات الرأي

الرابح والخاسر بين إيران وإسرائيل : التحليل العلمي أم الرأي والتمنيات؟

5Ws-service

بقلم / سيف الدين البشير

(كاتب صحافي_ خبير إعلامي)
★فوق أنها حدث الساعة بل ربما حدث القرن ، مثلت الحرب الايرانية الإسرائيلية علفاً جيداً لقنوات الإثارة الهتافية العربية ، ومضغة يعلكها رواد التواصل الاجتماعي بكل ما تحتمل الوسائط من جهلٍ ضرير .. وأزل القنوات العربية أنها تفلح في خلع الألقاب على كل من ارتدى ربطة عنقٍ وأمها ، وهو أعزل من كل ما خلعت عليه .
★أما منتهى الخلاصات فهو سؤال الرابح والخاسر بعد أن أسدل الستار على المنازلة أو كاد ، وغني عن القول أن القنوات العربية الأربع بدت – وفق أجندتها – أميل لمن يهيل التراب على إيران ليقرر على نحو ضحل أنها الخاسر الأكبر أو أنها خسرت كل شئ . والحقيقة أن من هذا المعسكر من “يريد” إيراناً خاسرة حتى وإن لوى عنق الموضوعية وأمانة التحليل لصالح ما “يريد” ، وهي رغبة لا علاقة لها بمدى فساد العقيدة أو فارسية إيران ، ولا حتى بشرعية وجود الدولة اليهودية ، وإنما بارتباط مسمى البلاد بالإسلام .
★الغريب أن غالب أنصار هذا النهج هم من القوميين العرب الذين ظلوا يطالبون بقذف اسرائيل إلى غيهب اليم ، لكن خبالهم القديم في الرؤية الضيقة من حيث كون أحد طرفي الصراع هم “الفرس” يظل هو المعيار ، ولا يهم أن تكون الصهيونية هي الطرف الآخر ، بعد أن تماهت أفكارهم اليسارية مع الليبرالية ، مع مستعمر أصبح أقرب لطموحاتهم من كل موروث عربي أو ديني .
★وبالنسبة للعلمانيين عامة يكفي أن تلحق دولة اسمها “بالاسلام” ، سيان إن كانت سنية أو شيعية ، ليشايعوا الشيطان بهدف محوها عن الخارطة .
★والحق يقال ، فقد استنهضت بعض النخب السنية الصراع العقدي لوصم إيران بالهزيمة كغطاء لدوافع سياسية عوضاً تغليب بوصلة الدين .. وهو أمر يذكر بحرب الثلاثين عاما في أوروبا من حيث كونها بدأت كحرب دينية ثم تحولت مع مرور الوقت لصراع سياسي .
★إن أدنى استحضار للمقارنة بين الطرفين المتقاتلين يقرر أن عمر إسرائيل الدولة لا يتجاوز 66 عاما ، في حين أن الامتداد التأريخي لإيران يقارب الثلاثة آلاف عام ، وقد تعزز بالاسلام من بعد .
★وفيما تجاوز عدد سكان إيران مائة مليون نسمة ، فإن عدد سكان اسرائيل لم يبلغ عشر ذلك . ومع الوضع في الاعتبار أن لغالب الاسرائيلين أوطان أخرى ، فإن لأعدائهم وطن واحد هو إيران . يضاف لذلك معدلات المواليد التي تميل بدرجة عالية للإيرانيين .
ويفسر ذلك حساسية تل أبيب تجاه الأسرى إن يكن في غزة أو لبنان ، ناهيك عن القتلى ، وطبيعي أن تعتبر اسرائيل موت أي فرد هو خسارة يتعسر تعويضها . وفي المقابل فإن الإيرانيين يتدافعون نحو الموت وفق القداسة العقدية للاستشهاد بغض النظر عن من يعتبرهم على ضلال .
★إن القول بخسارة إيران يتجاوز أنها المرة الأولى التي تهاجم إسرائيل في لحم الخاصرة عبر تاريخها ، لتنتشل الجثث من تحت الحطام ، وتدوي صافرات الانذار ويأوي السكان من أفهموا أن ساحهم هو الأكثر أماناً في المنطقة نحو الملاجئ ، بل أن تل أبيب ما تزال تصمت عن أعداد القتلى وعن خسائرها المادية .. ثم أنظر للعشرات يدفعون الحقائب للمغادرة براً .
★لقد نجحت إيران في كشف الغطاء عن القوة التي لا تقهر ، وبذرت من الشكوك في قاطنيها ما يستعصي برؤه في القريب ، وربما تتزايد أعداد المغادرين دون عودة لحظة استئناف رحلات الطيران من مطار بن غوريون .
★ومنذ بداية الحرب وحتى الإعلان عن نهايتها لم تطلب إيران ، بل لم تكن ترجو عونا لا من عواصم الشجب والإدانة من حولها ، ولا من دول عظمى حلفاء لها ، في حين هرعت إسرائيل عارية تطلب دعم القوة العظمى ، وتستعطف جواراُ هو أقرب لها ليس تحت الطاولة ، بل تحت شمس الظهيرة .
★صحيح أن دمارا أصاب البنى التحتية الايرانية ، كما زهقت أرواح علماء وقادة عسكريين ، لكن إيران مهيأة من الأساس لما جرى عبر الاستهداف المتطاول من إسرائيل ومن الولايات المتحدة وأوروبا.
ولمزيد من القراءة فهو الرئيس ترمب من فرض على إسرائيل وقف إطلاق النار ، وما كان ليفعل لولا علمه أن استمرار الحرب ليس في صالحها .. ونذكر أن ترمب لم يطالب بوقف إطلاق النار حتى في الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، رغم أنها تطرق على البوابة الشرقية لحلف الناتو بعنف ، ورغم نداءات حلفائه الأوروبيين أن يتدخل لوضع حد لها .
★الغني عن القول أن حقد القوميين العرب على اختلاف مسمياتهم ، والعلمانيين تجاه كلما له علاقة بالاسلام سيان أن يكون على باطل أو على حق ، ظل هو الدافع لتقييم منتهيات المعركة ، عوضاً عن معايير التحليل العلمي السليم الذي يتعالى على زبد الهتاف ، فيما تستغرق القنوات العربية الأربع في ذات الطرفة البالية ؛ “ومعنا في الاستديو الإعلامي والمحلل السياسي والعسكري ” ، وقد يهمس المذيع للضيف بعيداً عن المايك ؛ “كدة كفاية ولا في صفة تانية ؟” .. عندئذ قد نعتذر لبعض المقيمين في دول عليك أن تتبع خطها العام ، وإلا فالخروج دون عودة ، ونعلم أن بعضهم يكظم بعض غيظ ليردد :
قالت الضفدع قولا صدقته الحكماء
في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء ! ..
★أو بمعنى :
دابي في خشمو جرادة ولا بعضي ..

★سيف الدين البشير

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى