
(الحلقة الاولى)
بقلم /عميد ركن مهندس بحري “م” صلاح الدين محمد احمد كرار
عبر مختلف الحقب والحكومات الوطنية التي تعاقبت علي حكم السودان منذ الاستقلال ضاعت فرص كثيرة سنحت لبعض القادة ولم يستغلوها .
انا لست من مؤيدي محاكمة الماضي دون استصحاب الزمان والمكان و البيئة التي اتخذ فيها القرار .
الفرصة الاولي التي ضاعت كانت المعونة الامريكية . وهو مشروع الرئيس الامريكي ايزنهاور وسمي ذلك المشروع : باتفاقية التعاون الاقتصادي للانشاء والتعمير والتي اقرتها الجمعية التاسيسية السوداتية في في دورتها الاولي يونيو عام ١٩٥٨ ورغم ان الائتلاف القائم كان بين حزبي السيدين حزب الامة وحزب الشعب الديمقراطي وكان الحزب الوطني الاتحادي في المعارضة ، رغم ذلك اجيزت الاتفاقيه باغلبية ١٠٤ صوت ضد ٥٧ صوت و قد عارض حزب الشعب الديمقراطي وبعض نواب الوطني الاتحادي بضغوط من عبد الناصر الذي كانت علاقته سيئة بامريكا وصوتوا ضد المعونة الامريكية . بما في ذلك نواب الحزب الشيوعي .
فكرة المعونة الامريكية كانت تهدف الي مساعدة الدول الفقيرة المهددة بتغلغل الشيوعية اليها وذلك باحداث تنميه في البنيات الاساسيه مثل الطرق وتطوير السكه حديد بجانب دعم اقتصادي لميزانية الدولة .
كان خوف حزب الامة من عودة الوحدة بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي عند انعقاد الجمعية التاسيسيه في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ وطرح الثقه في حكومة عبدالله خليل بك وتشكيل حكومة جديدة ان يكون من اول اهدافها الغاء المعونه الامريكية التي كان عبدالله خليل يعتبرها المخرج الوحيد للسودان . وقد كان ذلك هو الدافع الاساسي لتسليم السلطة للفريق عبود في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ علي امل ان يعيد لهم السلطه بعد هدو الاحوال .
بجانب سبب اخر هو المحاوله الانقلابيه الاولي التي حدثت في ١٤ يونيو ١٩٥٧ او ما عرفت با نقلاب الكليه الحربيه حيث شارك فيه خمسه طلاب من الدفعة التاسعة كلية حربية .
قاد الانقلاب الصاغ يعقوب كبيده و ورد اسم النقيب انذاك جعفر نميري مع الضباط المشاركين وقد اثبتت التحقيقات ان ذلك التنظيم هو تنظيم الضباط الاحرار الذي انشأه الصاغ صلاح سالم عضو ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وقد فشل انقلاب كبيده واعتقل و حوكم المشاركين فيه .
ويقال ان مصر كانت تخشي من نجاح اي تجربة ديمقراطية في السودان او وجود نظام موالي لامريكا بالسودان .
بقيام انقلاب عبود في في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ تم احياء موضوع المعونه الامريكية ولكن بعد ان ذهب صاحب الفكرة الرئيس ايزنهاور و صعد الي رئاسة امريكا جون كيندي وتبدلت اولويات كثيره في امريكا خاصة بعد ازمة صواريخ كوبا التي نشرها الاتحاد السوفيتي في كوبا وتحول اهتمام امريكا الي امريكا الاتينة بدلا عن افريقيا .
وهكذا ضاعت فرصه نادرة كان من المكن ان تحدث تنمية تدعم التجربة الديمقراطيه الاولي .
من ما يحمد لحكومة الفريق عبود انها حاولت التوجه شرقا الي الاتحاد السوفيتي و تحصلت علي عدد من المشاريع الصناعية منها مصنع كرتون اروما و مصنع تجفيف البصل بكسلا و مصنع البان بابنوسه ومصنع تعليب الفاكهه بكريمه ومصنع اخر بانزارا بالاستوائيه .
لكن كل هذه المصانع فشلت بسبب التوطين الخاطي لها مثل مصنع البان بابنوسة . او لان هدفها كان سياسيا بحيث وزعت علي اغلب اقاليم السودان
فمثلا كرتون اروما بني علي مخلفات سيقان القطن الذي كان يزرع في القاش بينما كانت الجزيره هي الانسب . وتجفيف الالبان في بابنوسه بني ابقار العرب الرحل .
والفرق بين المعونة الامريكية و مشاريع الاتحاد السوفيتي ان الاولي مجانية والثانية عبارة عن قرض مسترد .
لكن العون اليوغسلافي بانشاء الخطوط البحريه السودانيه وانشاء القوات البحرية السودانية في عام ١٩٦٠ كان من انجح انجازات الفريق عبود .
مصدر معلوماتي هذه من شهادة عدد من السياسين والاعلامين منهم الاساتذة محجوب محمدصالح ، و سيداحمد الحسين القطب الاتحادي ، و احمد محمد يسن عضو مجلس السياده في ١٩٥٨ ، واللواء الفاتح بشير بشاره سكرتير عبود وعلي محمود حسنين ، و د. حسن عبدالله الترابي ، واخرين رحمهم الله ، ادلوا بشهادتهم لبرنامج بين زمنين اجراه تلفزيون ابوظبي عام ٢٠٠٠ .
والي فرصة اخري من فرص السودان الضائعة .