مقالات الرأي

السودان ..”5″ سنوات مابين العزلة الدولية وسندان الازمة الانسانية

5ws-service

 

بقلم السفير/ الصادق المقلي

يصادف الخامس عشر من ابريل الجاري مرور عامين علي الحرب و اربع سنوات و نصف من انقلاب اكتوبر 2021..

بكل أسف انفض سامر موتمر لندن الذي يصادف الذكري الثانية للحرب.. تمخض الجبل فولد فأرا.. خاب فأل من تعلقت آمالهم مخرجات تصب في اتجاه وضع حد لهذه الحرب العبثية و هذه الكارثه الإنسانية التي وصفت عالميا بانها الأسوأ في القرن الحادي والعشرين..

رفع البعض حاجب الدهشة و هو يري ان خلافا عربيا عربيا داخل اروقة المحفل الدولي وأد محاولة للدول الغربية في خلق مسار يفضي الي وقف إطلاق النار و انسياب العون الانسانى و عملية سياسية من خلال حوار سوداني سوداني يفضي الي أنهاء الحرب و الحالة الإنقلابية و من ثم استعادة مسار التحول الديمقراطي الذي من شانه ان يضع حدا لهذه العزلة الدولية و الإقليمية التي اقعدت إقتصاد الدولة و هذه الحرب المدمرة التي اوردت البلاد و العباد موارد الََهلاك و وضعت الدولة علي شفا جرف ينهار بها نحو الدولة الفاشلة بإمتياز..

و لإنعاش ذاكزة القاري نحاول في مقال من خمس حلقات سرد هذا الفصل الحزين المخزي في تاريخ السودان الحديث… حيث خلال خمس سنوات عجاف من حرب و انقلاب قذف بالبلاد ما بين مطرقة العزلة الدولية و افظع كارثة إنسانية..

الناظر للمشهد السياسي فهو لا يخلو ان يكن ( سمك لبن تمر هندي) ٠٠فنحن أمام حلقة جديدة من مسلسل فشل الساسة ٠٠مدنيين و عسكريين ٠٠منذ الخمسينات ٠٠٠مشهد اشبه بالمسلسلات المكسيكية ٠٠رغم ان هذه الأخيرة حتى و لو امتدت لسنوات٠٠ستختم و فى النهاية ٠٠و يموت البطل كما هو فى غيرها من المشاهد السينمائية ٠٠بيد ان مسلسل فشل النخبة السياسية ٠٠٠لم يكن له حتى اللحظة من نهاية ٠٠الفرق الوحيد ان البطل هنا ليس كما فى غيره مما نشاهده من عروض على الشاشة ٠٠البطل هنا ( الشعب السوداني) فقد كتب عليه الموت البطئ ٠٠و لا سبيل لنزع انبوبة الأكسجين طالما ان هذا القلب فى هذا الجسد المأزوم ما فتأ يخفق ٠٠ فالموت الرحيم٠٠ Euthanasia ٠محرم فى عقيدتنا الإسلامية.

اوقفوا هذا العبث السياسى..

فالسودان فيه ما يكفيه٠٠ ٠٠الشعب السوداني ظل و ما برح يدفع فاتورة فشل الساسة، عسكر و مدنيبن٠٠٠ ٠٠٠الساسة كلهم مبتلون بداء الإقصاء و عدم قبول الآخر و المكابرة و الانكار و التمترس حول المواقف و المصالح الحزبية الضيقة و عدم الحس الوطني ٠٠فشل منذ الخمسينات و عجز عن التراضى حول مشروع وطني جامع و عجز عن وضع دستور دائم يشرع لنظام حكم معين، بينما كان السودان من الدول القلائل فى العالم الثالث التى استقلت فى ظل نظام برلماني على غرار ويست منستر٠٠٠بل ان السودان فى مجال التحول الديمقراطي الذى نلهث وراءه اليوم٠٠قد بز حتى دول العالم الصناعى الغربية ٠٠خاصة فى حق المرأة فى النيابة البرلمانية و حقها فى المساواة مع الرجل فى الاجر المتساوى و فى المنافسة الحرة في الخدمة المدنية ٠٠بل حظيت باختصاصات لا نجد لها مثيلا حتى فى دول العالم الصناعى مثل اجازة الامومة و الرضاعة مدفوعة الأجر ٠٠٠و الكثير من هذه الدول الغنية لم تطبق هذه الحقوق و التمييز الإيجابي للمرأة الا فى السبعينات ٠٠

لقد تسبب الساسة فى هذه الدائرة الشريرة و تسليم السلطة فى طبق من ذهب للعسكر الذين اصلا ما قاموا بانقلاب الا و كان وراءه ساسة و هذه المرة من بين انقلاب و حرب مدمرة، يشهد السودان اكبر أزمة وجودية عبر تاريخه ٠٠٠فشل الساسة هو عجزهم على الالتقاء حول كلمة سواء للتوصل إلى حل سوداني سوداني مبرأ من اى تدخل أجنبي ٠٠٠فشل نميرى فذهب إلى أديس أبابا ٠٠فشل الاسلاميون فطرقوا أبواب عدة عواصم أفريقية بحثا عن حل لمشكلة دارفور ٠٠عجز أدى الى التدخل الاممى تجت الفصل السابع ٠٠٠فشل حتى شركاء الحكم فى سودان ما بعد الثورة ٠٠٠فاستعانوا بابى احمد و ود لباد لفك الاشتباك بينهم ٠٠٠و فشلوا من بعد ذلك فى إيجاد حل للنزاع فى دارفور و المنطقتين فهرعوا إلى الاخوة في جنوب السودان و كان اتفاق جوبا المنقوص حيث فشلوا فى إقناع الممانيع، مثلما فشوا في أحداث توافق سياسي، فشل كان وراء تدخل البعثة الأممية بطلب من حكومة الفترة الانتقالية٠٠٠و ما كان لها ان تنطلق لولا فشل الساسة كلهم٠٠ عسكر و مدنيين في التوصل إلى توافق و اجماع وطنى لحل الازمة السودانبة الراهنة ……..

اوقفوا هذا العبث السياسى ٠٠٠فالوطن يكاد يضيع من بين ايدى الجميع ٠٠كفوا عن خطاب التخوين و الكراهية و على الجميع عسكر و مدنيين التنازل و نكران الذات و اللهث وراء المصالح الحزبية و الشخصية الضيقة و الكنكشة في السلطة دون اكتراث لمعاش البشر و لانزلاق الوطن نحو الفوضى و المجهول٠٠

و لعل قدر السودان ان يكن الساسة أنفسهم هم وراء هذه الدائرة الشريرة ما بين نظام ديمقراطي و نظام انقلابى٠٠٠بدأت فى التخلق منذ فجر الاستقلال ٠٠فكان وراء كل انقلاب رافعة او حاضنة سياسية.. كان اخرها انقلاب اكتوبر 2021. ٠٠٠٠فقد كان الساسة، من حيث يدرون و لا يدرون، يعدون له المسرح ٠٠من حيث فشلهم فى ادارة الموجة الاولى من المرحلة الانتقالية ٠٠فقحت الاولى تشظت و تفرقت ايدى سبأ٠٠عجزت حتى فى تحقيق أشياء هى فى متناول يدها٠٠٠ ٠٠٠٠المجلس التشريعي ٠٠المحكمة الدستورية ٠٠كل المفوضيات التى هى عضد الدولة المدنية ٠ ٠٠و الألاف من القضايا ظلت حبيسة الادراج لغياب المحكمة الدستورية . ، ٠٠٠فشلت حتى فى تعيين والى لشرق السودان الجريح و تعيين وزير لوزارة التربية والتعليم ٠لكن رغم ذلك فقد نظمت قحت المركزي ورشة وقفت خلالها على أوجه خلل تجربتها و اعتذرت للشعب السوداني عن قصورهاَََ.. و لعل اكبر اخطائها أن ولت امور الدولة لشباب مناََضل.. لكن ليس له الخبرة في الشأن العام او حتي الخدمة المدنية.. فهم خريجو معتقلات نظام الإنقاذ البائد و حلقات النقاش في مساطب الجامعات.. بينما جلس علي الرصيف الساسة المخضرمون و عقلاء القوم من الذين خبروا دروب السياسة منذ خمسينات القرن الماضي.

٠ظل السودان دولة دون مؤسسات و بعيداً عن شعار المدنية الذى مهره مئات الشباب و آلاف الجرحى و المفقودين بدمائهم و أنات أسرهم المكلومة ٠٠٠

و لعل قحت لم تدري في الرابع و العشرين من اكتوبر،، أن بتشظيها و رفضها لخلية الأزمة التي اقترحها د حمدوك ٠٠انها قد ساهمت بصورة غير مباشرة في إعداد المسرح لما حدث فى اليوم التالى ٠٠٠ إذ هى التى دفعت قحت الثانية او جماعة الميثاق الى تنظيم اعتصام الموز الذى مهد و بصورة مباشرة٠٠ و مع سبق الإصرار و الترصد٠٠ للانقلاب،و دونكم هتاف التوم هجو (( ما بنرجع الا البيان يطلع)) و توفير حاضنة سياسية حشدت لها حشودا قبلية و صوفية ٠٠٠كما غض المكون العسكري الطرف عن اعتصام القصر، الأمر الذي لم يحدث طيلة شهور ثورة ديسمبر المجيدة، حيث واجه الشباب العزل الرصاص بصدور عارية، و حيث يعاق حراكهم الثوري بنصب الحاويات و إغلاق الطرق. و قد وفر لهَذا الاعتصام الاسلاميون الموز و الحاشي و المحاشي. حيث وجدوا فيه ضالتهم..

بجانبه فشل المكون العسكري و شركاء السلام في تنفيذ أهم بنود اتفاق جوبا، ملف الترتيبات الأمنية الأمنية. ،و لم يجني اصحاب المصلحة في السودان في دارفور الجريحة سوى المزيد من الاقتتال القبلي و النزوح و اللجوء و سرقة لأصول المنظمات الدولية شاركت فيها عناصر من حركات التمرد نفسها..

لكن رغم ذلك يحمد لقحت المركزي انها نظمت ورشة وقفت خلالها على أوجه الخلل في تجربتها و اعتذرت للشعب السوداني عن قصورهاَ.و الاعتراف بالخطأ فضيلة……كما اعتذر عن الإنقلاب من بعد حميدتي َ

لعل الفرق بين انقلابات عسكرية سابقة،، ضمن هذه الدائرة الشريرة،، ان العسكر ٠٠٠هذه المرة ٠٠٠ساعدوا هم ايضا في توفير ارضية خصبة لما حدث في الخامس و العشرين ٠٠الذى وصفه الموالون بتصحيح مسار الثورة.و ما يبيتونه العسكر من نية للحيلولة دون تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني قبل ثلاثة أسابيع من الانقلاب،، أي في السابع عشر من نوفمبر 2021٠٠. فضلا عن تباطؤ فى حسم ازمة الشرق، من قبل السلطات، أزمة خنقت شريان الدولة و هددت أمنها القومي٠٠و تفلت امنى فى العاصمة و صراعات قبلية،، و تعطيل لدولاب الدولة بتعليق اجتماعات المؤسسة السيادية و نصب الحاويات لإغلاق الجسور أمام الثوار، ،و التغول على صلاحيات الجهاز التنفيذي….كما أن المؤسسة العسكرية نفسها فشلت في استكمال ما يليها من مؤسسات الدولة و بصفة فشلها في تعيين رئيس القضاء و نائب عام و هى صلاحيات كفلتها له الوثيقة الدستورية ٠٠فشلت فى انفاذ اتفاق السلام و بصفة خاصة ملف الترتيبات الأمنية و مواجهة الانفلات الامنى فى العاصمة و الصراعات القبلية الدامية في دارفور و كردفان و النيل الازرق ٠٠٠فشل المكون العسكري فى تعيين ما يليه من استكمال عضوية المجلس التشريعي ٠٠ال ٦٠ عضوا٠٠٠و فشل فى ملف مفوضية الانتخابات و صناعة الدستور و غيرها ٠٠٠٠فثلاثتهم،، قحت،، المكون العسكري و حركات الكفاح المسلح كلهم شركاء في تقويض مكتسبات الموجة الأولى للفترة الانتقالية.. و على رأسها فك طوق العزلة الدولية و الإقليمية و إستعادة مسار إعفاء الديون ٠٠٠و تطبيع علاقات السودان مع المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف و تحسن كبير في سجل حقوق الإنسان، فاستعاد السودان مقعده في مجلس حقوق الإنسان بجنيف و انتهت ولاية الخبير المستقل و تبوأ السودان منصب رئاسة المجلس عن أفريقيا، و صادق السودان على عدد من الاتفاقيات الدولية.. بل تم انتخابه في نيويورك لدورة ثانية.َو نال السودان في عهد حكومة حمدوك احترام المجتمع الدولي..

و لكن في ٢٥ اكتوبر، حدثت انتكاسة أخرى في سجل حقوق الإنسان،، وعادت العزلة الدولية و الإقليمية من جديد و افلست الخزانة العامة و لم يعد للدولة من موارد غير الجباية و جيب المواطن، كما صرح وزير المالية٠٠ إلا أن الحراك الثوري قد هزم كل أسباب و مبررات البرهان لما أقدم عليه من إجراءات و خطوات، فالاحتقان السياسي ما برح يطل برأسه ٠٠٠و المهددات الأمنية ما زالت تتراءى واحتقان سياسي،شهدنا فيه جنوح أنصار نظام الإنقاذ المباد إلى لغة العنف و التخوين و و رغم نصح العقلاء منهم إلى ضرورة السردبة و المراجعات لتجربة امتدت لثلاثين عاما و ذهبت بخيرها و شرها، انتظارا للانتخابات، الا ان منهم من اختار لغة العنف و الوعيد و التهديد،انهم سيجتاحون الخرطوم و سيقطعون رأس فولكر كما فعل الأنصار بغوردون في ملحمة تحرير الخرطوم، و انهم كما أسقطوا حكومة حمدوك، سيسقطون اي حكومة على غير هواهم مثنى و ثلاث و رباع……. فضلا عن مخاوف الانزلاق نحو الفوضى و القذف نحو المجهول و الدولة الفاشلة بإمتياز…….

و كانت هذه الحرب العبثية. .. طوفان قضي على الأخضر و اليابس، على البشر و الارض و الحجر، و أزمة وجودية َو وطن يعيش حالة اللادولة و شريعة الغاب.. في غياب استشعار فرقاء الازمة اجمعين للمخاطر التي تحدق بالبلاد و انسداد الافق و أفاق الحل.. .

في الحلقات المقبلة ان شاء الله سرد لهذه الحالة الماساوية و الكارثية من مآلات الإنقلاب و الحرب… مآلات ظل يسدد فاتورتها هذا الشعب المغيب و المغلوب علي امره.. كان الله في عونه.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى