
بقلم : الرفيع بشير الشفيع
لنحن أبناء هذه اللحظة من التاريخ الذي نعيشه راي العين وملء السمع بكل أحساسيسنا ومخاوفنا نعيشه بآلامه وظلمه وقساوة إنسانه، لنحن أفضل من يؤرخ لهذه العالم الآن وأفضل ممن يكتب عنه ، بإعتبار أن العالم القادم، ربما تنعدم فيه أدوات الكتابة والتعبير الذي نعرف ، ويتبدل فيه العقل الإنساني والفكر الإنساني للذكاء الأصطناعي والذي سيخلط كل شيء ويغيّب معالم كل شيء ، وقد تضيع فيه معالم الإنسانية والرشد والأصالة والتأصيل، في عوالم وافعال الغواش المظلمات ، إلا أن يشاء الله .
إذا جاز لنا ان نتخطى قوالب التوريخ ومبادئه وأدواته وضوابطه، التي تُظهر دائما من أحداث وحوادث الماضي، ونوثق لتاريخنا الحالي ونستنطق احداثه وحوادثه، ونستقريء مآلاتها، فأنا هنا أكتب مقدمة لمعالم العالم الحالي الذي نعيش فيه هذه اللحظة من الزمان ، حتى نستنهض بذلك هممنا نحن الشريحة من البشر الذين يعيشون على ظهر هذه البسيطة الآن ويكتوون بنير ونيران بعضنا البعض، ونتلاكم ونتلاطم خارج نطاق العرف والذوق والإنسانية وكل أصناف مخلوقات الله ، بطباع خارجة عن طباع المخلوقات الكواسر.
وهذه بادرة توريخية غير متخصصة في توصيف ورصد أحداث الحروب والمعارك الدائرة الآن منذ ٢٠٠١ م والى يومنا هذا ، انما هي رصد لما أصاب الضمير البشري والعقل والحكمة الإنسانية جمعاء، إلا من رحم الله ، وما أوصلتنا له التوجهات الفكرية والمادية الآنية، حتى فاق الإنسان في عداواته وانعدام ضميره وانسانيته الدرك الأسفل من الظلم والجور والإستقواء على أخيه الإنسان، وقد وصل الظلم وبقوة السلاح الذي لم يصنع مثله من قبل ، لدرجة حرق أرضية العالم وتجريف الخير والنبل والجمال من أرض العالم.
هذا التجريف الأحمق الذي يحرق الأخضر واليابس ويطوي أرضية حتى من يمارسه ويفرضه في العالم ويدحرج الكون الى كومة من رماد بعد هذه الحرب ، التي توصف بأنها حرب اخر الزمان ، وقد ظهرت معالم نذر فناء العالم، من الرماد القيمي للحريق مقابل الحريق والصراع مقابل الصراع ، والظلم والجور على الضعفاء، الذين تمسكوا بأرضية القيم والإنسانية ، ظهرت هذه كمعالم للنهاية والعدمية، بسبب العالم قمة الحضارة المادية والرفاه والترف والرغد ما لم تصله أي مجموعة إنسانية من قبلنا ، وقد طغت النفس البشرية ، وغيرت أخلاقها ودينها بهذه المعطيات، وقد بدلت ربها وعبادتها الى أرباب مادية وفكرية لا تعرف الله خالقها وخالق هذا الكون ، وقد طغى ذلك بحيث لم يترك لنا متنفس خير ومعلم حق وعدل وطمأنينة في هذا الكون الواسع الذي يضيقه الإنسان على نفسه.
يظن الإنسان الذي يعيش هذه اللحظة الفارقة من عمر العالم ، عبر فكره الضئيل وانسانيته التي وصلت القاع ، أن العيش فيما بعد الآن ، سيكون بالتحالفات وبالقوة المادية وبقعقعة السلاح ، وبتعبد الحضارة المادية ، ومن “عين الدولار” وإنسان هذه الفترة نسي الله تماما ، واعتمد على القوة البشرية وهذه التحالفات المنزوعة الضمير والمنعدمة الأخلاق والإنسانية والبعيدة عن الله.
علق أحد اصدقائي السفراء من دولة شقيقة على مقالي عن ” من يكتب لنا إلياذة السودان” قائلا أنني عبرت عن اوجاع وطني بالصدق اللازم والشفقة المناسبة عليه ، لكني أتقدم الآن خطوة للإمام لكي أترحم وأشفق على العالم كله ، والذي أصبح محيطا متلاطما يزخر باللؤم والجهل والإنحدار الأخلاقي وقد قلت لصديقي:
“نحن نعرف انكم معنا عمليا وبالقلوب والدعاء ونعرف أحاسيس اخوتنا في بلدكم العامر، نحونا وتقييمه لنا بنفس القدر الذي نحس بهم ونقدرهم ولا نستطيع أن نكافئهم إلا بالدعاء والحفظ في هذا العالم المجنون الذي اصبحت الشياطين تتبرأ من إنسانه، الإنسان الذي يقوده الغرب الذي اصبح معتوها في تفكيره وإنسانيته وقيمه، حتى أصبح عالم تبدل انسانه للزمبي وعبدة الشيطان، فيه والتوحش والحالة الغابية فيه ، أفضل أنواع التعايش فيه والعيش ، وقد أصبح الحلال حراما والنبل منبذة والفضيلة عيب والكرم والكرامة تخلف، والعدل مثل الخل الوفي، واصبحت اغلب دوله يقودها مجانين يمثل الشره للمال والتعطش للدماء شغلهم وشاغلهم، واصبح المجون والخنا والفسوق عبادتهم وصلواتهم الإلحاد والكفر، وكفران النعم.
العالم أصبح يدنو من قاع الهاوية والسقوط بما لم يشبهه في هذه الحالة ، كل سيناريوهات العوالم والحضارات من قبل ، فإذا فسقت أمة من قبل واستهواها الشيطان وتفرعن قادتها ، رشدت اختها وغشيتها الحكمة، تفرعنت الحضارة الفارسية ورشدت الروم وتفرعنت جماعة السامري ورشد اتباع موسى، وتفرعن الآشوريون ورشد زكريا عليه السلام وقومه ، وطغت اليهود ورشد المسلمون ، والآن يطغى الغرب ونحن نتبعه، حذو القذة بالقذة حتى إذا دخل جحر ضب دخلناه.
العالم يا سعادة يحتاج لرجل رشيد في مقام المهدي، ليخرج العالم من هذه الظلمات بفضل ربه، ولا نقول رسول ، لإنقطاع مهمة الرسل وسلسلهم وبقاء نورهم ورشدهم وهدايتهم الربانية التي تركناها واتبعنا الدولار وتنافسنا هذه الدنيا، وتسابقنا في بنيناها الزائل وغرنا بالله الغرور ، حتى اصبح بعضنا أكثر شرها لدماء بعض من الغرب والكافرين علينا .
نحن نفعلا نحتاج الآن للمهدي ولمهدويته ونظامه الرباني الذي طالما انتظره العالم المكلوم، منذ هيروشيما وناجازاكي ومنذ خليج الخنازير وغابات الخمير الحمر وهذه المجازر الحديثة التي فاقت الوصف ، والتي لم يسبق لها مثيل بسبب تدحرج الضمير العالمي ، ونوعية السلاح ، المعبّر عن ضميره الميت ، والتي مورست في رواندا وأفريقيا الوسطى وتمارس الآن في السودان وغزة ، ومجازر الشرف والعفة والكرامةوالإنسانية ، والمصاحبة وأن العالم يحتاج مهدي حقيقي يخرج العالم بفضل ربه من هذه الوهدة القاتلة ، ويخرجنا نحن إنسان الآن من النظر للدنيا من خلال عين الدولار، الى عوالم القناعة والإيثار، ومن عباءة الإلحاد الى عوالم الإيمان، ومن ضيق الدنيا الى سعة الآخرة ومن إبط الشيطان الى كنف الرحمن.