
نبض للوطن
أحمد يوسف التاي
(1)
بينما كانت الأيام النحسات بلياليها الحالكات تُرخي سدولها على كل شيء، وتُقسِّم أنصبة البؤس على كل شيء، كان كل مجالٍ يأخذ نصيباً مفروضاً من البؤس ويتقبله الجميع وهم فرحون، فلا استثناء لأي مجالٍ من المجالات، لا استثناء لمهنةٍ ولا حرفةٍ ولا وظيفةٍ.
مظاهر البؤس أخذت بتلابيب كل شيء ولم تستبقِ شيئاً.. أراها في مجالات التعليم، والإعلام، والخدمة المدنية، والخدمات الصحية، والأعمال الحرفية. ولما كان الإعلام أخطر هذه المجالات، كان استهدافه بالبؤس أكبر.
(2)
أهم ملامح البؤس في مجال الإعلام هي تلك الكتابات الصحافية الجديدة على الإعلام، بأساليبها المبتذلة، وألفاظها السوقية، وعباراتها الفجة الموغلة في الإساءات والتجريح.
الكتابة الصحافية ليست شتائم وألغازاً وهمزاً ولمزاً.
الكتابة الصحافية فنٌ راقٍ قوامه الجرأة والوضوح والموضوعية، والقوة في الطرح بوسائل الإقناع المعروفة من منطق سلس وأسلوب مهذب ومعلومات مُفحِمة، ولغة أرقام وأسانيد وأدلة.
(3)
الكتابة الصحافية ليست (عوة) داخل حافلة أو محلات “شيشة”، ولا هي (جوطة سوق).
هي وظيفة ومسؤولية، أساسها أمانة الكلمة، وهي تضحيات واستعداد لدفع ثمن إبراز الحقيقة مهما كان ذلك الثمن. وما عدا ذلك فهي (ونسة) ومخاشنات تنعدم فيها الأخلاق والحياء. وإن لم تستحِ فاصنع ما شئت.
(4)
ما يؤسف له حقاً أن بعض الزملاء انساقوا وراء هذه الكتابات غير المسؤولة ذات الأساليب المبتذلة، وأمعنوا في تقليد كُتّاب (التقليعات) الباحثين عن الشهرة بالخوض في أعراض الناس، وهتك أسرار حياتهم الخاصة، وبالإمعان في الشتم والتجريح والإساءات.
وبدلاً من أن يؤثروا بكتابات عميقة ومتوازنة ومهذبة ومسؤولة في من حولهم، تراهم يقتفون أثر الكتابات (العبيطة)، مثلما جاء في النكتة الشهيرة (بِدُّور العوض). ذلك العوض الذي أثر في الخواجة عِوَضاً عن حدوث العكس. فبدلاً من أن يتعلم العوض الإنجليزي من الخواجة، تعلم الخواجة لهجة العوض وكل (جلافات) العوض.
(5)
وأخيراً، أقول للباحثين عن الشهرة بالفجاجة وساقط القول والشتائم: إن الإساءات والتجريح والعبارات السمجة والأسلوب المبتذل في الكتابة لن يحقق شهرة ولن تخلق إعلامياً، بل هي تهدم الأوطان بإيغار الصدور، ونشر ثقافة العنف اللفظي، وبث الكراهية والطاقة السلبية في المجتمع.
فالكاتب الذي ينجر وراء الشتائم والعنف اللفظي يهدم المجتمع ولن يحقق مصلحة. *اللهم هذا قسمي فيما أملك.*
*نبضة أخيرة:*
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.