مقالات الرأي

العودة الطوعية إلى السودان بعد الحرب بين القرار الفردي والتدخل الحكومي…؟

5ws-service

 

بقلم / د. عبدالرحيم الحاج الأمين

“كاتب وباحث في الشؤون القانونية والإنسانية”

مع تصاعد حدة الأوضاع الإنسانية على المعابر الحدودية، وظهور مشاهد التكدس والعناء التي وثقتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، يبرز سؤال جوهري يتصدر النقاش العام: هل قرار العودة الطوعية إلى السودان بعد الحرب هو خيار فردي صرف، أم أنه بحاجة إلى تنظيم وتدخل حكومي؟

في ظل الحروب والكوارث، يصبح النزوح أمراً قسرياً لا خيار فيه. أما العودة، فغالباً ما تكون طوعية، تحكمها عوامل كثيرة، من أبرزها: الاستقرار الأمني، توفر الخدمات، تأمين السكن، وضمانات قانونية بعدم التعرض للمخاطر. غير أن عودة الآلاف من السودانيين، بعد أشهر من النزوح القسري إلى دول الجوار، كشفت عن هشاشة في البنية التنظيمية الرسمية، وضعف في التنسيق بين الجهات المختصة.

العودة الطوعية.. خيار أم اضطرار؟

رغم أن العودة تُوصف بـ”الطوعية”، فإن الواقع يعكس غير ذلك. فمع ضيق الحال، وغياب فرص العمل، وتدهور أوضاع اللاجئين في المعسكرات أو المدن المستضيفة، يجد الكثيرون أنفسهم مرغمين على العودة، حتى لو كانت الأوضاع داخل الوطن غير مهيأة.

وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن أكثر من 1.5 مليون سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، خاصة إلى تشاد، جنوب السودان، مصر، وإثيوبيا. وفي المقابل، لم يتم تسجيل سوى قليل من الخطط الحكومية المعلنة لتنظيم العودة أو استقبال هؤلاء العائدين.

الإطار القانوني للعودة الطوعية:-

تنص المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي الصادرة عن الأمم المتحدة في 1998 على أن “لكل نازح داخلي الحق في العودة الطوعية إلى منزله الأصلي بحرية وكرامة، وفي ظروف آمنة ومستدامة”. وتؤكد المادة (3) من اتفاقية كمبالا الخاصة بحماية النازحين في أفريقيا على أن الدول الأطراف تلتزم بـ”تسهيل العودة الطوعية أو إعادة التوطين، وتقديم الدعم اللازم لتمكين النازحين من إعادة بناء حياتهم”.

وعليه، فإن العودة، ولو كانت بقرار فردي، لا تُعفي الدولة من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية. بل يجب على الحكومة السودانية – بموجب التزاماتها الدولية – أن تهيئ الأرضية الآمنة وتضع السياسات اللازمة لتنظيم هذه العودة بما يحفظ كرامة المواطنين وسلامتهم.

ما المطلوب من الدولة؟

1.إجراء تقييم شامل للأوضاع الأمنية في المناطق المرشحة للعودة.

2.إنشاء وحدات استقبال عند المعابر الحدودية لتوفير الغذاء، المياه، الإسعافات، والنقل.

3.إطلاق حملات توعية توضح للعائدين الحقوق والواجبات، والمخاطر المحتملة.

4.التعاون مع المنظمات الدولية (UNHCR، IOM، OCHA) في برامج إعادة الإدماج والمساعدات.

5.تشكيل لجنة وطنية دائمة لتنظيم عودة النازحين واللاجئين، وتقديم تقارير شفافة للرأي العام.

خاتمة!

العودة إلى الوطن حق، لكنها أيضاً مسؤولية مشتركة. وعلى الدولة السودانية، رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها، أن تتحمل نصيبها من هذه المسؤولية، لا أن تكتفي بتحميل المواطن وحده تبعات قرار العودة. فكرامة الإنسان لا تنتهي عند حدود النزوح، بل تبدأ حين يعود إلى وطنه ويجده مهيئاً لاحتضانه من جديد.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى