
تحليل/ أحمد يوسف التاي
لايستطيع احد على وجه الدقة قراءة المشهد السياسي السوداني بمعطياته الراهنة بمعزل عن الأحداث التي سبقت حرب أبريل , خاصة وإن الحرب ماهي إلا واحدة من نتائجها الكارثية..ومن ابرز الأحداث الكبيرة التي سبقت الحرب ومهدت لها الطريق إنقلاب 25 اكتوبر 2021..هذا الحدث اوجد ذريعة لحميدتي الطامع في رئاسة السودان وموارده وذلكفي لحظة غرور ونوازع سلطوية .. و الحدث نفسه -(أي الإنقلاب) حمل القوى المدينة التي انقلب عليها البرهان إلى الإحتماء والإستقواء بحميدتي رغم شعارها المرفوع والذي ظلت تردده عبر طلائعها” و”الجنجويد ينحل” في حالة واضحة من الإنتهازية أظهرت واقعاً غير منكور من التقاطع الحاد والتضارب بين الشعار والممارسة..
والحدث ذاته استغله أعداء السودان الخارجيين وأعادوا من خلاله البلاد الى مستنقع العزلة الدولية والإقليمية..
والحدث ذاته وأعني “إنقلاب 25 اكتوبر” فتح الباب واسعاّ أمام أنصار النظام المخلوع ومؤسساته واجهزته المحلولة للعمل بشكل واضح ودون مواربة على جميع الأصعدة بلا استثناء في محاولة لعودتهم الى السلطة بشكل أو آخر رغم إنكارهم ذلك ..
(2)
الواقع أعلاه شكل حقائق ثابتة لابد أن يُبني عليها وعلى نتائجها اي تحليل أو قراءة للراهن السوداني..
ولا مراء أن الواقع المشار إليه خلق أوضاعاّ معقدة للغاية وتضاعفت هذه التعقيدات بعد اندلاع حرب 15ابريل2023 التي انحرفت كلياّ نحو تدمير السودان القديم الذي اصطلح على تسميته دولة (56) ؛ دولة الجلابة والنخبة النيلية برمزيتها العروبية والإسلامية؛ وجنحت الحرب نفسها نحو إفقار مواطني دولة (56) بالنهب والتشريد والسلب والتهجير والتهجير والإمعان في إذلالهم..
(3)
والواقع المشار إليه أعلاه أشعل المزيد من نيران الخصومات السياسية بين فرقاء السياسية في السودان خاصة (اليسار واليمين) وزاد من فجور تلك الخصومات؛ وفجر قنابل الأزمات والخلافات وأوجد رغبة عارمة لدى كل طرف في إزاحة الآخر والعمل على استئصاله وإلغائه من خلال مواقف متطرفة معلنة تجنح إلى تخوين الآخر وتجريمه..
(4)
الواقع الموتور أعلاه..بالتأكيد لن يستمر على ماهو عليه من توتر ورغبة في الإقصاء لتقاطعة مع متطلبات الأمن القوني والاستقرار والنهضة؛ إذ لابد من تسوية سياسية للخلافات بين القوى السياسية …هذه التسوية ليست ترفاّ سياسياّ وإنما باتت أمراّ حتمياّ ..أمر ضروري بل واجب تفرضه نتائج الصراع الحالية من معاناة متصاعدة؛ إذ لم يعد المواطن يتحملها ؛ والتسوية السياسية أصبحت اليوم أمر اكثر ضرورة لوقف نزيف الدم السوداني؛ وإيقاف مسلسل تدمير البنى التحتية وإيقاف عجلة الانتاح ومنع سيول التدخلات الأحنبية في الشأن السوداني..
(5)
تأسيساّ على النقاط أعلاه يسعى العالم واصدقاء السودان إلى إيقاف الحرب التي قادت وتقود الى كل سوء..بدءاّ بإيقاف التمويل الخارجي لها وتحييد القوى السياسية التي تشعل فتيل الحرب في الخفاء؛ والتخلص من ضغوطها السرية والعلنية على الأطراف الفاعلة في ميادين القتال؛ وذلك من خلال إيحاد حوار سوداني سوداني لايستثني أحداً من القوى السياسية؛ على أن يُقتصر الحوار السياسي بين القوى السياسية ولايشمل أي قوى عسكرية باستناء الجيش السوداني الذي تقع على عاتقها مسؤولية رعاية الحوار ودعمه حتى تصل الأطراف لاتفاق يحفظ أمن واستقرار الدولة.
(6)
ثم يبقى القول أنه إذا لم تتجاوز القوى السياسية عقلية إستغلال الجيش والمتمردين لصالح أجندة حزبية فإن الحال سيظل كما هو عليه الٱن من كل السوءات..
وطبقاً لما سبق يمكن القول أنه لابد لأي تحرك في إطار التسوية والحوار بين الفرقاء السياسيين أن يستوعب امر مهم؛ هو: مدى تأثير أنصار النظام المخلوع على مراكز اتخاذ القرار الحالية في (فرملة) أي حوار سوداني سوداني أو أي جهود سياسية تنهي الحرب؛ باعتبار إن استمرار الحرب امر ضروري لهم.