
بقلم : الرفيع بشير الشفيع
٢٦ مارس ٢٠٢٥م
_______________________
ذكر بعض الأخوة المهتمين بالإرث الحضاري والتاريخي السوداني على صفحته في الفيس بوك اليوم ، أنهم زاروا المتحف القومي ووجدوا رياح المشروع التدميري قد غشيته بغاشيات الحقد والجهل وعدم الأخلاق حتى لم يتركوا فيه علامة تدل على أنه متحف او اي شاهد تاريخي وحضاري على حضارتنا وقد انتهبوا كل القطع الآثارية ودمروا بنيته التحتية.
_______________________
فماذا يعني تدمير وسرقة الإرث الحضاري في المتحف القومي ودار الوثائق والدار السودانية للكتب وغيرها؟
في فبراير ٢٠١٦ زرنا مناطق الاركيولوجي ، الشواهد التاريخية على حضارة السودان في منطقة مروي ، والبركل والنقعة والمصورات ، وقمنا بعدها بزيارة المتحف القومي السوداني ودار الوثائق واقمنا محاضرات في النادي الثقافي النوبي ووزارة التعليم العالي وامام لجنة الهوية في الحوار السوداني ، ودعونا القائمين في المتحف ودار الوثائق الى ضرورة الحفاظ على الإرث الحضاري السوداني ، وكان همنا ينصَّب على عملية تأمين هذه المناطق بصورة تقنية وغيرها وتشديد الحراسة عليها وكانت وصايانا للأخوة والاخوات في المتحف منذ ذلك الوقت والى قيام “ثورة ديسمبر” ، أنهم لابد أن يحافظوا على ذلك الإرث حتى ولو بنقل القطع والشهواد التاريخية والوثائق من المتحف ومن دار الوثائق الى اماكن آمنة لأن المتحف القومي ودار الوثائق والدار السودانية للكتب هي أهم مرتكزات ذلك الإرث… وأنهما يمكن أن يتعرضا للضرر والسطو والسرقة او الحريق خصوصا وأن ارهاصات الواقع السوداني في ٢٠١٦ تشي بأن السودان قادم على أمر جلل لا يعلمه إلا الله ، ويشهد الله أننا جلسنا معهم وخاطبناهم وترجيناهم ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي ، وكانت ردودهم بأن توقفوا حتى عن الإتصال معنا ، بل عدم الرد علينا واخر ردودهم أنه سوف لن يحدث شيء لهذه الاماكن… فندمنا وتحسرنا وسكتنا.
لكن ما نقوله أن هذا الأمر وراءه مشروع تجريفي، ومحو لأثر كان قائما لا تقل سرقته قيمةً عن سرقة ونهب كامل السودان الحاضر، دول بدأت تحارب الترويج للحضارة السودانية والإرث السوداني ، بلدان مستفيدة من حضارة وادي النيل على انها ملك لهم وعلى انها البقرة الحلوب التي تدر عليهم سنويا الملايين وهم يعرضون على العالم ما أشاده الفراعنة في وادي النيل من عظمة وإرث وأثر ، وعلى أن السودان كله يعتبر تاريخيا ملكاً لهم ، وهذه البلدان تتنازع على إرثنا ووجودنا على أنهم أنهم كوشيون ونبيون، أفارقة وغيرهم، وانهم وسبئيون وفراعنة جاءوا من منطقة البركل حيث آمون رع وطهارقا، وان هذه الارض لهم والإرث الحضاري لهم والتاريخ والمياه وحتى هواء السودان ملكاً لهم .
نحن ندافع عن الإرث الحضاري ليس لأننا نؤمن بديانات من صنعوه من فراعنة كديانة الكارايزم (عبادة الشمس)، او عبادة آمون ، او عبادة عيسى بعد ذلك ، ولا نؤمن بإتباع الفراعنة و لا نقر الإلحاد والكفر بالله ، لكنا ندافع عنه كحق له علاقة بالجغرافيا وبالتراب وبالسياسة وبالأقتصاد والسياسة الآن ، وندافع عنه لأنه شيء أوصى به الله تعالى كزيارة المقابر، للعظة والعبرة ، كما حضنا على السير في الأرض لنشهد بآثار الذين من قبلنا ونتعظ بأنهم كانوا أكثر منا قوة وأثاروا الارض وعمروها ماديا أكثر مما عمرناه، بيد أننا أقزام تحت شواهدهم التاريخية ، اهراماتهم العملاقة ومسلاتهم ومبانيهم وآثارهم المادية ، حتى ندرك مزالق تمسكنا بها وأن نتبع اثارهم وتعاملاتهم حتى لا نطغى ولا نتفرعن، وقد كنت تحت مسلات البركل أرى نفسي أمام هذه الشواهد المادية العملاقة أنني قزم من الاقزام، ولكن هامتي ترتفع أعلى عن ذلك إيمانا بالذي سخر هؤلاء لضرب هذا المثال ، وأنني أرفع منهم توحيدا.
ونزور ونقف على تلك الشواهد ، ليطمئن قلبنا بصدق القصص القرآني وحتى لا نتجبر ونطغى ونتكبر ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا)
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها).
(أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ ۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
والله اعلم
الرفيع بشير الشفيع