بقلم محمد السماني
برغم الأسى وما افرزته الحرب من احداث مأساوية أصابت كل بيت وكل حارة وكل مدينة وكل قرية ولم ينجو احد من شرها حتى لو ضغوط نفسية وهلع وتشرد ونزوح وخوف وجوع ونقص في الثمرات والاموال والانفس برغم كل هذه المرارات إلا أنها ستصنع جيل الغد من اطفال وشباب اليوم من شهد الواقعة والغزوة وزلزلو زلزالا شديدا اشتد عودهم وقويت شوكتهم وزاد حبهم لوطنهم وقوى انتمائهم لهذه الأرض السودانية وفهموا معانى كثيرة لم يتاح لنا نحن فهمها من قبل فعرفوا ماذا تعني الخيانة والعمالة والارتزاق وماذا يعنى النزوح واللجوء والتشرد وعرفوا الحرمان الحقيقى ونعمة الحياة تحت سماء وطن يأويك تتنفس فيه كما تشاء وتشم انفاسه فى كل خلجة من خلجات نفسك وتعلموا أن من يفقد وطنه يفقد كل شئ ولا أظن أنهم مستعدون لفقدانه مرة أخرى ولن يعودوا إلى ما قبل الحرب من ضياع وتسكع فى الازقة والشوارع ولا الجلوس امام الحوانيت والبقالات ولن نرى غير جيل عركته قساوة الحرب وعجنته بكل ما فيها من ذل وعذاب و(بهدلة) وفى المقابل تعلموا معنى البذل والعطاء ومساعدة الضعفاء والمعوزين ومن افتقر فكانت ( التكايا) ودور الإيواء وكانت فضيلة ( إطعام في يوم مسغبة) حاضرة ومنتشرة.
لقد اتيح لهذا الجيل ما لم يتاح لجيل التضحيات وجيل البطولات الذى تغنى به وردى وخليل فرح و بادى محمد الطيب وكل مبدعي بلادنا الحبيبة… فقد أتاحت لهم الحرب لهم ظروفها التمسك والعض على الوطن بالنواجز فعرفوا أن الوطن ليس أناشيد تغنى ولا قصص تاريخية تروى بل الوطن فداء وتضحية ومجاهدة ومثابرة فقد فهموا كل كلمة فى النشيد الوطنى فتحولوا الى جنود الله وجنود الوطن عندما دعا الداعى فلم يخونوا الفداء ولم يخونوا الوطن وهم يترجمون هذه الأرض لنا الى واقع حقيقى عبر فوهات البنادق واسنة الأقلام وإطعام الطعام وبث الأمن والطمأنينة فى نفوس الشعب المكتوي بنيران الحرب الخبيثة.
ومن زاوية أخرى ان هذه الحرب اتاحت لأغلب الشعب السودانى معايشة ومعاصرة العالم من حولنا مع كثرة حالات النزوح الى الدول التي حولنا بالملايين الامر الذي اتاح لهم معرفة معالم وبنى تلك الدول التحتية وأدركوا تماما أنه كان ينقصهم الكثير من كل النواحي وعلموا أننا كنا متأخرين جدا عن ركب أقرب الدول إلينا فلا مطارات ولا طرق واسعة تحفظ النفوس من حوادث كثيرة ما كان لها أن تحدث ابدا لو كانت طرق واسعة بمسارات كثيرة مزدوجة ومداخل ومخارج آمنة وادركوا أن حياة الانسان السودانى أغلى من كل كنوز العالم وثروات الدول المنهوبة بالفساد وإنعدام الضمير والرادع آلا يستحق السودانى ان يسافر من مكان إلى مكان آخر داخل وطنه وهو آمن مطمئن النفس من شر الحوادث المرورية التى كان الطريق هو أداتها القاتلة فهل يعقل ان نشيد طرقا تقتل وتحرق أكبادنا قبل اجسادنا ونحن نغرق فى كنوز من كل شئ ويمكن القياس على ذلك في بقية الخدمات التي تحقق السلامة قبل الرفاهية والتطور كخدمات الصرف الصحى وتصريف مياه الامطار وإصحاح البيئة والاتصالات والمواصلات ، فالسودانى غالى وسيظل غالى ولتذهب كل الحكومات التي لا تستطيع أن تقدم له شئ سوى الأخذ من جيبه لتصرف على نفسها ولشراء السياسيين والذمم والمواقف تبا لهم جميعا إن لم يكون قدر المسئولية وأقل من قامة هذا الوطن الشامخ .
وقفة
اى حكومة اى كانت إن لم تعوض وترضى هذا الجيل وتوفر له مقومات العيش والحياة الكريمة فى وطنه لن يصبر عليها الشعب بعد الموت الذى رآه بأم عينه وبعد أن خسر كل شئ وليس مستعد لأن يخسر المزيد من زمن الوطن ، ولن يفرط سودانى فى حقه بعد اليوم فإما نمشى ( دغرى) او (يغور) كل فاسد وكل عاطل فكر وراى وليذهب كل الزبد والغثاء من غير رجعة فقد ولى عهد السادة والنخب التى أدمنت الفشل .