الأخبار

بين الدستور والتوافق السياسي: هل يجوز لرئيس الوزراء إقالة وزراء الحركات المسلحة؟

5Ws-service

بقلم/ الطيب مضوي شيقوق

(كاتب ، محامي – مستشار قانوني)

في أعقاب توقيع اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر 2020، ودخول الحركات المسلحة ضمن منظومة الحكم الانتقالي، برزت تساؤلات قانونية وسياسية شائكة حول حدود سلطات رئيس الوزراء تجاه الوزراء القادمين من الحركات. ومن بين أكثر الأسئلة إثارة للجدل: هل يجوز لرئيس الوزراء إقالة وزير ينتمي لإحدى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام؟ وهل يحق له تغيير حقيبته الوزارية دون الرجوع إلى حركته؟

الإجابة الدقيقة تتطلب قراءة مزدوجة لما نصّت عليه الوثيقة الدستورية (2019 المعدلة في 2020)، وما أقرّته اتفاقية جوبا للسلام، مع فهم السياق السياسي الحرج الذي تشكلت فيه حكومة ما بعد الثورة.

أولاً: الوثيقة الدستورية… الإطار القانوني للسلطة التنفيذية

الوثيقة الدستورية التي نظّمت الفترة الانتقالية بعد الثورة، منحت رئيس الوزراء سلطة ترشيح وإقالة الوزراء، وذلك بالتشاور مع المكونات السياسية وموافقة مجلس السيادة.

المادة 14 (3) من الوثيقة تنص على أن رئيس الوزراء “يُعيَّن ويُعفى الوزراء بموافقة مجلس السيادة”.

الوثيقة لم تُفرّق بين وزراء الأحزاب ووزراء الحركات، مما يعني أن جميع الوزراء يُعاملون وفق ذات الإجراءات الدستورية.

بناءً عليه، يملك رئيس الوزراء من الناحية القانونية الحق في اقتراح إقالة أو تعديل أي وزير، بمن فيهم أولئك المنتمون للحركات المسلحة.

ثانيًا: اتفاقية جوبا… التزامات سياسية تعلو على النصوص

رغم أن الوثيقة الدستورية هي المرجع القانوني الأعلى، فإن اتفاقية جوبا للسلام جاءت كاتفاق سياسي له طابع خاص، وهي تُعتبر جزءًا من الوثيقة الدستورية بعد تعديلها. وقد نصّت الاتفاقية على:

منح الحركات المسلحة 25% من مقاعد مجلس الوزراء.

تمثيل الحركات في مجلس السيادة والبرلمان والولايات.

الاعتراف بالحركات كشركاء سياسيين كاملي الصفة في الفترة الانتقالية.

لكن الاتفاقية لم تدخل في التفاصيل الدقيقة لتوزيع الوزارات أو تسمية الوزراء، بل تركت ذلك للتفاوض بين الحكومة والحركات. وفي التطبيق العملي، تحولت الحصص السياسية إلى وزارات بعينها طالبت بها الحركات، وتم منحها لها، مثل:

وزارة المالية لحركة العدل والمساواة.

وزارة الحكم الاتحادي أو البنية التحتية لحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي.

وهكذا، أصبح الوزير لا يُمثّل نفسه فقط، بل يُعتبر ممثلًا سياسيًا لحركته، وصار موقعه جزءًا من “استحقاق تفاوضي”، لا مجرد وظيفة تنفيذية.

ثالثًا: تعارض الظاهر بين الدستور والتوافق السياسي

هنا يظهر التوتر:

الدستور يمنح رئيس الوزراء سلطة الإقالة والتعديل.

لكن الاتفاق السياسي يُلزمه بالتشاور مع الحركات بشأن أي تغيير يمس حصصها أو ممثليها.

وعليه، إقالة وزير تابع لحركة دون موافقتها، وإن كانت قانونية شكلاً، إلا أنها تُعد خرقًا سياسيًا فادحًا. وقد تُفسَّر من قبل الحركات كإقصاء أو نسف للاتفاق، مما يؤدي إلى انسحابها أو تفجير الأزمة.

ولهذا، فإن كل تغيير وزاري يخص الحركات يجب أن يتم بالتنسيق مع قياداتها، بحيث:

إذا تقرر إعفاء وزير، تُمنح الحركة حق ترشيح بديل له.

وإذا أُعيد توزيع الحقائب الوزارية، يُراعى أن تُحافظ الحركة على حصتها المتفق عليها، ولو بتبديل وزارة بأخرى، بموافقتها.

رابعًا: النماذج الواقعية بعد اتفاق جوبا

في حكومة د. عبد الله حمدوك الثانية (2021)، تم الالتزام بهذه الآلية، حيث جرت تسمية وزراء الحركات بترشيح مباشر من الحركات نفسها، وكانوا يخضعون للتفاوض وليس للإعفاء الفردي.

في فترات لاحقة، خاصة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، دخلت بعض الحركات في شراكات جديدة مع المكون العسكري، مما جعل مسألة تعيين أو إعفاء الوزراء تتم عبر تفاهمات سياسية بين المكونين العسكري والحركي، دون الرجوع للمرجعية الثورية.

وبالتالي، فإن تبديل أو إقالة وزراء الحركات ظل مرهونًا بميزان القوى والتحالفات السياسية، لا فقط بالنصوص القانونية.

خامسًا: الوضع الافتراضي في حال تولي “كامل الطيب إدريس” رئاسة الوزراء

في حال تولي شخصية مثل الدكتور كامل الطيب إدريس رئاسة الوزراء، وكان بصدد إجراء تعديل وزاري يشمل وزراء من الحركات، فإن المسار الدستوري والسياسي يفرض عليه:

1. التشاور مع قيادة كل حركة معنية قبل اتخاذ القرار.

2. التنسيق مع مجلس السيادة لضمان موافقة الجهات السيادية على التعديل.

3. ضمان بقاء الحصة المتفق عليها لكل حركة دون انتقاص.

4. احترام التوازنات السياسية بما لا يفجّر أزمة تنفيذ الاتفاق.

وفي حال خالف ذلك، فإنه قد يتسبب في نسف الثقة مع الشركاء في السلام، ويفتح الباب أمام انسحابهم من الحكومة، أو الطعن في شرعية الإجراءات.

خاتمة: سلطة القانون وحدود التوافق

رئيس الوزراء، وفقًا لنصوص الوثيقة الدستورية، يمتلك سلطة إعفاء الوزراء بموافقة مجلس السيادة، دون تمييز بين من جاء عبر الأحزاب أو عبر الحركات المسلحة. غير أن هذه الصلاحية، وإن كانت قائمة قانونًا، تصطدم بواقع سياسي شديد الحساسية، قوامه اتفاقيات سلام هشة وشراكات تفاوضية معقدة.

فالمسألة هنا لا تتعلق فقط بمن يملك حق التعيين أو الإقالة، بل بكيفية ممارسة هذا الحق ضمن توازنات دقيقة، وشبكة من الالتزامات السياسية التي لا يُمكن تجاوزها دون كُلفة عالية.

وفي سياق انتقالي هش، تصبح الحكمة السياسية أهم من الصلاحيات القانونية. فالإقالة التي لا تستصحب التشاور والتفاهم قد تُفجِّر الأزمة بدلاً من أن تُعالجها، وتُعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى