
بقلم/ مكي ميرغني عثمان
” وكيل التخطيط بوزارة المالية السابق، ”
مقدمة : تم انشاء منظمة التجارة العالمية.لمراقبة تحرير التجارة الدولية 1995 بموجب اتفاقية مراكش لتحل محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية. وتستهدف تسهيل حرية التجارة الدولية وازالة الحواجز امامها مما يعزز النمو الاقتصادى وادارة الاتفاقيات التجارية وحل النزاعات ودعم الدول النامية وتعزيز الاستدامة وضمان الشفافية. يبلغ عدد اعضاء منظمة التجارة العالمية حاليا 166 دولة وهناك حوالى 20 دولة تحت الانضمام من ضمنها السودان و يشكل اعضاءها حاليا حوالى 98%من التجارة الدولية. وتشكل المنظمة نظاما فعالا لتسوية المنازعات واللجوء اليه بدلا عن اتخاذ اجراءات احادية كما حدث الان. للاسف جاءت هذه التداعيات بعد ان حققت المنظمة عدد من اهدافها الاستراتيجية وانضمت اليها تقريبا معظم الدول حيث اصبح الانضمام اليها حتميا اذ تمثل التجارة الدولية احدى ركائز الاقتصاد واسباب نجاحه.
أحال لى الاخ السفير على الجندى – وهو خبير راسخ فى هذا المجال -مقال صدر عن الفاينانشيل تايمز فى 5 سبتمبر 2025 – كتبته انغوزى اوكونجو – أيولا – المدير العام لمنظمة التجارة العالمية بعنوان مناشدة: “ما زال جوهر منظمة التجارة العالمية صامدا لكن على الاعضاء استغلال هذه الازمة لدفع الاصلاح.”
1.اشارت السيدة/اكونجو- ايولا نه خلال الأشهر الستة الماضية، تعرض النظام التجاري العالمي لاهتزاز بفعل الإجراءات الأحادية للولايات المتحدة. وأعلن أكثر من شخص نهاية منظمة التجارة العالمية. و اعتبرت ان الاضطرابات الحالية غير مسبوقة في سرعتها واتساع نطاقها، وقد زعزعت بلا شك الثقة في التجارة المفتوحة والقابلة للتنبؤ. واوردت توقعات أمانة منظمة التجارة العالمية الشهر الماضي بأن تنمو تجارة السلع العالمية بنسبة 0.9% هذا العام. ورغم أن هذه النسبة أقل بكثير من التوقعات السابقة (2.7%) قبل فرض الرسوم الأمريكية الجديدة، فإنها تظل تحسناً مقارنة بانكماش بنسبة 0.2% تم توقعه في أبريل.
2.ورد فى المقال المشار إليه انه مع التطورات الأخيرة، قفز متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية المرجّحة بالتجارة من 2.4% في بداية العام إلى 18.4%. وواصل معظم العالم التجارة وفق الشروط المعتادة، في وقت تسعى فيه الشركات جاهدة لإعادة ضبط أوضاعها. وتشير تحليلات منظمة التجارة العالمية إلى أن نحو 72% من تجارة السلع العالمية ما زالت تجري وفق شروط “الدولة الأولى بالرعاية” (MFN). وقد تراجعت هذه النسبة من 80% في بداية العام، وربما تنخفض أكثر، لكن النظام يُظهر مرونة. فقد تجنبت بعض الدول الأعضاء حتى الآن حربًا تجارية انتقامية قاسية مع الولايات المتحدة، لكن هذا ليس مستبعدا !؟
كما توقعت انقوزى اوكونجو – أيولا أن تتحوّل التجارة الصينية إلى أسواق أخرى نتيجة تقلص تجارتها مع الولايات المتحدة، لكن أرى انه لن يجلس أعضاء منظمة التجارة العالمية القرفصاء اذ لابد من ردة فعل ستحدث تحديا ماثلا خاصة من قبل الشركاء التجاريين الكبار كالصين والاتحاد الاوربى وربما بعض التكتلات الاقليمية الاخرى مما يربك النظام التجارى القائم والمستقر لحد ما!! ولذلك تساءلت مديرة المنظمة : كيف يمكن الحفاظ على هذا الجوهر؟
3.اشارت أكونجو-أيولا ان النظام التجاري نفسه يحتاج إلى إصلاح. فقد بُني على أساس الاعتماد المتبادل لا على الاعتماد المفرط، إلا أن الكثير من الأعضاء اليوم يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة من أجل الطلب على السلع، وعلى الصين من أجل الإمدادات الأساسية. وهذه ليست وصفة للمرونة العالمية. صحيح ان منظمة التجارة العالمية واجهت انتقادات عديدة وصائبة من الولايات المتحدة وغيرها بما يشمل الدول النامية واعتقد أن النهج الأحادي الحالي قد لا يؤدى الى اتفاق على الاصلاحات. فإن العديد من هذه الانتقادات تمثلت فى الشكاوى بشأن غياب الشفافية لدى الأعضاء، وقضايا تكافؤ الفرص، والممارسات التجارية غير العادلة، والتوسع المحتمل لاختصاص هيئة الاستئناف لقرارات آلية فض المنازعات التجارية كلها مسائل يجب معالجتها و يرى كثيرون أن نظام منظمة التجارة العالمية لا يحقق مكاسب كافية للفئات الأكثر هشاشة، و يسمح بقدر كبير من التشوهات المرتبطة بدعم الزراعة من قبل الدول الصناعية وتطالب العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة بمساحة أكبر للتصنيع — وحتى أن بعض الاقتصادات المتقدمة باتت تنادي بذلك الآن.
4.ناشدت السيدة أكونجو- أيولا الدول الاعضاء استغلال الأزمة الحالية للتعامل مع المشاكل التي تعيق النظام مثل تحديث كتاب القواعد الذي يعود معظمه إلى أوائل التسعينيات. كما يجب ألا تتحول قاعدة اتخاذ القرار بالتوافق إلى وصفة للشلل. ولذلك اجد نفسى متفقا مع هذا التوجه والاصرار على ان تكون قاعدة اتخاذ القرار التصويت -صوت لكل دولة – اذ ان التوافق فى حالة تحفظ بعض الدول – كما حدث – يعطل خطوات الاصلاح. وتشدد السيدة مديرة المنظمة ان إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي تسهيل الاتفاقات “متعددة الأطراف الجزئية” (plurilateral).
5.ختمت السيدة أكونجو-أيولا
بالتاكيد على ضرورة المحافظة على الإصلاحات القادمة و على ما هو فعّال. منوهة انه بالرغم من أن كثيرين لم يستفيدوا بشكل كافٍ من المكاسب، فإن تحرير التجارة عزز الازدهار في الدول الغنية، وساعد على انتشال 1.5 مليار شخص من الفقر المدقع. اتفق مع مديرة المنظمة ان إعادة تموضع منظمة التجارة العالمية والنظام التجاري المتعدد الأطراف الأوسع مهمة شاقة تحت الوضع الماثل الان بعد القرارات الامريكية وتوقعات ردود الافعال وامكانية اشعال حرب تجارية تهدد بقاء واستدامة النظام التجارى العالمى.
6.اعتقد ان الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند وحتى مع الحلفاء والجيران فى الاتحاد الاوربى وكندا والمكسيك تعتبر تجاوزا لقواعد منظمة التجارة العالمية. من كان يتوقع ان الولايات المتحدة – العضو الاصيل فى المنظمة والداعمة لقوانينها المرساة تحت قواعد النظام التجارى متعدد الاطراف – تتخذ قرارات تصب فى تجاوز روح واهداف هذه المنظمة ؟!! . فقد كان من من الممكن تحريك وتفعيل نظام تسوية المنازعات بالمنظمة اذ ان النظام ما زال ويجب ان يشكل الآلية الوحيدة لتسوية النزاعات التجارية على المستوى العالمي. أرى ان قرارات الولايات المتحدة الاحادية تعتبر تجاوزا كبيرا و تشكك فى نزاهة النظام التجارى الدولى وترى عدد من الدول ان على الولايات المتحدة ان تنسحب من المنظمة اذ عجزت عن ان تفى بالتزاماتها تجاه المنظمة.
7.لابد من التأمين على أهمية وجود نظام فعال لتسوية المنازعات واللجوء اليه بدلا عن اتخاذ اجراءات احادية كما حدث الان. للاسف جاءت هذه التداعيات بعد ان حققت المنظمة عدد من اهدافها الاستراتيجية وانضمت اليها تقريبا معظم الدول وصارت التجارة الدولية تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلى الاجمالى لبعض الدول وبالتالى اصبح الانضمام اليها حتميا اذ تمثل التجارة الدولية احدى ركائز الاقتصاد واسباب نجاحه.
خاتمة:
1.لا غنى عن المنظمة على الرغم النعوت الكثيرة عنها ويعول كثيرا عليها فى اعمال وتفعيل النظام التجارى العالمى الذى نتطلع نحن فى الدول النامية أن يكون عادلا ويساهم فى تنمية و ازدهار كل الدول الاعضاء وانتشال الملايين من وهدة الفقر .
2.للاسف توقعاتى ان تستمر الولايات المتحدة فى سياساتها الحمائية وان تتنامى الاختلافات بين الاعضاء حول اية اصلاحات للنظام التجارى العالمى لعدم توفر الارادة السياسية مع توقع ردود افعال قوية من الشركاء التجاريين الاخرين كما ذكرت سابقا مما يفرغ المنظمة من محتواها.
3 هناك تحديات ومعوقات بائنة. فالاجراءات الحمائية بالطريقة التى انتهجها ترامب ستحدث فوضى كبيرة وتشوهات تطال النظام التجارى العالمى وتقود حتما لاضطراب التجارة و تغيير وجهاتها. Trade Direction and Diversion فى ظل تعذر تحريك الية حل النزاعات بالمنظمة فى ظل التحفظات الامريكية حولها.
4.يا ترى ماهو موقف التكتلات الاقتصادية الاقليمية ومنها الاتحاد الاوربى ومناطق التجارة الاقليمية الحرة الاقليمية الكبرى كالنافتا (الامريكية) و الاطلسية والباسيفيكية وكوتونو والافريقية والعربية. وماذا يكون دور تكتلات الاتحاد الاوربى والاسيان والبركس والاتحاد الافريقى.
5.هل يا.ترى ستصمد منظمة التجارة العالمية تحت هذه التحديات القائمة؟!. هذا ما لن نعرفه إلا بعد ان تضع هذه الحرب التجارية اوزارها!!!.
مكى ميرغنى عثمان – اقتصادى – كسلا –


