
بقلم/ المستشار الطيب مضوي شيقوق
جاء المقال الذي نشره الدكتور نصر الدين عبد الباري تحت عنوان “سلطات الأمر الواقع السودانية ضد الإمارات العربية المتحدة” بلغة قانونية رصينة وتحليلٍ منضبط من حيث الشكل، إلا أنه – ومن منظور قانوني صرف – يفتقر إلى التوازن الذي تقتضيه مثل هذه الموضوعات الحساسة ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
ففي الوقت الذي صوّب فيه الدكتور عبد الباري نقده بكثافة تجاه القوات المسلحة السودانية، واصفًا إياها بالنفاق ومتهمًا إياها بتاريخ من الإبادة، فإنه لم يخصص سطرًا واحدًا لتناول الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، رغم أن هذه الانتهاكات تمثل جوهر الدعوى المنظورة أمام محكمة العدل الدولية. وهذا يتعارض مع قواعد العدالة المنقدحة في الوجدان السليم، التي تقوم على الإنصاف، والنظر بعين واحدة لكل الانتهاكات مهما كان مرتكبها.
إن تغييب الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتي وثقتها منظمات دولية ومحلية عبر تقارير دقيقة، والتغاضي عن الإشارات المتكررة لوجود مقابر جماعية وقرى أُحرقت ومجتمعات أُبيدت، يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية حول حياد الطرح، ويفقد المقال الكثير من مصداقيته.
العدالة، حين تُستدعى في مثل هذه السياقات، لا تقبل الانتقاء، ولا تستجيب للميول السياسية أو الأيديولوجية. فمن يكتب عن حقوق الإنسان والقانون الدولي يجب أن يُخضع الجميع لنفس المعايير، وألا يجعل من قلمه أداة لمحاكمة طرف وتبرئة آخر دون دليل قانوني متكامل.
وكان من الممكن للمقال أن يشكّل دعوة موفقة لتحقيق دولي مستقل وشامل، يطال جميع الأطراف، ويؤسس لمرحلة جديدة من المساءلة والإنصاف. غير أنه – للأسف – اختار أن يكون أقرب إلى بيان سياسي منه إلى مقالة قانونية، وهو ما يُكرّس للازدواجية في معايير العدالة ويُضعف الثقة في أي جهد دولي لا يتسم بالحياد.
ختامًا، فإن كل من ارتكب جرمًا في هذا النزاع، سواء كان من القوات النظامية أو من المليشيات المسلحة، يجب أن يخضع للمساءلة وفق القانون. لا مكان في ساحات العدالة لصوتين، ولا لعُورٍ في الرؤية، إن كنا نرجو بناء وطن يقوم على العدل والمساواة.