Uncategorized

جامعة الرازي و الفكرة المجنونة (٣/١)

(بعيداً عن السياسة)|| صبري محمد علي (العيكورة)

بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)

مُؤسس جامعة الرازي الصديق و زميل الإسكندرية الدكتور أحمد عثمان حسن رزق

الربع الأول من ثمانينيات القرن الماضي عندما تم قبولنا بجامعة الإسكندرية كان (رزق) مِن مَن سبقونا لا أُريدُ أن أُفسد الوصف و أزحمه بالأسماء فذاك سفر و ذكريات وشجون و دموع

ولكن أسحاول تسليط الضوء على ما أعرف عن شخصية (زرق) الطالب القيادي وسط الطلاب المُهندم ذو رباطات العنق الغارق داخل (البالطو) ذي اللون (الكريمي) تُزييِّن وجهه النظارة الطبية المُلّفِت الى الإنتباه في كل شئ إلا من شعرٍ (منفُوش) أو مُفلّفل ما كان يتعهده أو لرُبما لم نكُن نعلم نحنُ أن زرقاً كان يفهم في (الكجولة) بينما كُنا نحن (البرالمة) القرويون القادمون من رحم الريف نُكابد
(شكّة القميص) و تعهُد رباط (الجزمة) ونحن نلتقطُ الأنفاس ركضاً خلف وتيرة الحياة المُتسارعة في كل شئ التُرام ، المُدرجات ، صفوف الساندوشات ، محطة الرمل ، شارع صفية زغلول ، سعد زغلول ، العطارين ، سوق زنقة الستات ، سوق الزنانيري

في بلد يفتتح أهلها يومهم بالنكتة والضحكة العالية و(السيجار) (السوبر) والشيخ (عب باسط) و (الست) و (عب حليم) وسمعني الصلاة ع النبي

كان هذا الطالب الشاب على قيادة مجلس الإتحاد أو لجنته التنفيذية لا أذكر تحديداً

طالب طب الأسنان (رزق) الذي أعرفه لم يكُن مُتفوقاً بل كان ضيفاً دائماً على إمتحان الملاحق والغريب في الأمر حدثني أحد زملاءه أنه تخرّج بتقدير (جيد) أو (جيد جداً) ومن الطرائف أنه راجع إدارة الكلية وطلب منهم مُراجعة رصد الدرجات فلربما كانت لطالبٍ آخر ولكنها أكدت له أنه هو ذاك الطالب الذي حصل لاحقاً على أول درجة دكتوراة في طب الأسنان الجنائي على مستوى السودان

الذي أعرفه عن دكتور (رزق) أنه كان ساخراً أمام التحديات والمصاعب تستوقفه وتستهويه النكته والطرفة

سألني ذات مرة إن كنتُ على تواصل مع الدكتور حسين جعفر الحفيان إستشاري الأمراض النفسية حالياً والإستاذ الجامعي أم لا!
فقلتُ له نعم على تواصل

فضحك ثم قال لي بلِّغهُ تحياتي و قُل له رزق يقول لك
(ما كُلُو فيتامين سي يا إبني)

سألته ماذا يعني فرفض أن يفك اللغز وقال لي إسمعها منه

فقال دكتور الحفيان ضاحكاً (والله رزق ده ما نصيح)
ثم حكى لي أنهم ذات يومٍ كانوا بكافتيريا الكلية وطلب الحفيان من (النادل) وكان رجلاً كبيراً في السن عصير برتقال ولكنه أتى له بعصير فراولة
وعندما إحتجّ الحفيان على ذلك فما كان من النادل إلا أن قال له
(ما كُلّو فيتامين سي يا إبني)

وهذا شاهدٌ على أن هذا الرجل يمتلك مساحة واسعة من المخزون الإيجابي من الطرفة والنكته والضحكة والتفاؤل و أعتقد هذا ما كان وقوداً له لتحمل الضغوط والتحديات فليس من السهل أن تُقدم على إنشاء جامعة من العدم لو لم تكن شخصاً مُغامراً ليتذكر وقائع مضى عليها أربعة عقود
وكما ذكرت بأن (رزق) ساخر حتى في وصف الواقع . قال لي ذات مرة أنه يريد أن يستقيل عن إدارة الجامعة ليرتاح ويتفرغ لإنشاء المستشفي فقلت له (لسه بدري على الإستقالة) فقال لي ……
*كفاية يا صبري ياخي أربعين سنة أنا بمشي و بجي بشارع واحد*!! حُفر الشارع حفظتنا

كان مقر دار الإتحاد (فيلّا) بشارع اللّخمي المُتفرع من شارع تانيس وكان شارعاً قصيراً و مُتعامداً مع شارع الجيش أو شارع البحر آخر شارع بأفريقيا

الذي ليس بعده إلا البحر الأبيض المتوسط واليونان
حيث رائعة الشاعر صلاح أحمد إبراهيم (يا مريا)

ليت لي إزميل (فدياس)
و روحاً عبقرية وأمامي تل مرمر …
لنحّتُ الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثالاً مُكبر

أو رائعة محمد سعد ديّاب (مدلينا)
الأم سليلة أمهرا
والوالد من قلب أثينا
ترك الأهلين ذات مرّة
وترنّح براً وسفينا
ليعطي العالم (مدلينا)

أو إن إنعطفت غرباً نحو المرسي أبو العباس حيث يلتحم السماء مع البحر القُرمزي لظننتَ أن الشمس تغرب بجوار المئذنة
وكأنك برائعة البرعي (مصر المؤمنة بأهل الله) تشنف أسماعك

هذه الدار شهدت أجمل أيام حياتنا الدراسية ففيها كُنّا نُدير خلافاتنا السياسية و تبايناتنا الفكرية وليالينا الثقافية و وأناشيدنا الوطنية .
وما أروع خاتمها عندما نشق أسماع الوجود
بخالدة (الشفيع)
وطن الجدود
نفديك بالأرواح نجود

ضاقت تلك الدار بالأنشطة وكانت هُناك مساحة خلفية مهجورة هي أقرب الى مرمى القمامة فحولها رئيس الإتحاد (زرق) الى صالة واسعة إستوعبت فيما بعد كافة أنشطة الطلاب دون اللجوء لإستئجار القاعات والمسارح إلا ما ندر

أذكر أن زارنا ذات مرّة الراحل الطيب محمد الطيب ضمن أحد المهرجانات الثقافية فأُعجب بتلك الصالة أيُّما إعجاب و فور عودته الى السودان كتب مقالاً عن الإسكندرية تحت عنوان (راكُوبة ود رزق)

و أذكُّر أن الراحل عمر محمد عبد الله رئيس تحرير صحيفة (الراية) آنذاك كان قد حاضرنا عن الإعلام ذات مرة و بعد إنتهاء الندوة رفض أن نأتي له بعشاء (فخم) كعادتنا مع ضيوف المهرجانات وأصرّ أن يأكل مما نأكُل

فإصطحبناه الى محل (الوحيد) للفول و الفلافل بمحطة (كيلوباترة الكُبرى) أعتقد وكان الوقت مُتأخراً جداً وكاد يُلامس فجر اليوم التالي وكان هذا مُعتاداً لنا فالإسكندرية لا تنام
فبينما كان بعضنا مُنهمكاً في الشراء وتحديد الطلبات

تنبّه ضيفنا إلى أن المحل ليس به باب فسأل (الكاشير) عن السبب فقال له إن المحل يعمل (٢٤) ساعة و لا نحتاج الباب وقد بعنا الباب الذي كان موجوداً وإستعنّا بقيمته في تجهيز (ديكور) المحل

فعندما عاد الراحل (عُمر) الى السودان كان أول مقالٍ له هو إنطباعه عن زيارة الإسكندرية فكتب تحت عنوان
(بائع الفول الذي باع الباب) !

أعود لشخصية دكتور (رزق)
والعُهدة على الراوي دكتور الحفيان

فكما ذكرت أن (رزق) لم يكُن يهتم بتصفيف شعره و حصل أن إنتابت أحد الطلاب حالة نفسية مُتقطعه فخشى عليه زملاءه في السكن من إيذاء نفسه أو القفز من المبنى

فجاء (رزق) كرئيس للإتحاد وإصطحبه الى الطبيب
ويبدو أن (صاحبنا) المريض كان في تلك اللحظة في كامل قواه العقلية
فتولى يشرح للدكتور حالة (زرق) المرضية و هيئة شعره غير مُرتبة كانت عاملاً فاعلاً في تصديق رواية الطالب المريض بأنه هو الصحيح بينما (رزق) هو المريض
قيل لي …..
إن دكتور زرق بذل مجهوداً كبيراً حتى أقتنع الطبيب بأن المريض هو ذاك الطالب وأنه جاء به للعلاج كرئيس لإتحاد الطلبة ليس إلا !

شخصية (زرق) كانت معروفة ومُلهمة (للبرالمة) عموماً فكان رجلاً متحدثاً لبقاً هو وصنوه الدكتور مرتضى محمد عثمان إستشاري أمراض الكُلى حالياً
ولن أكُن مُبالغاً إن قُلت أن
كِلا الشابين يكفى أن تنظر إليهما و ستقتنع بما يقولانه فكانا يمتلكان قوه خارقة لإستثارة مكامن الحماس والإنفعال بين الطلاب بما يتحدثان عنه أو يُريدا إيصاله للطلاب

ومن ذلك الكثير من المواقف التي لا يُمكن حصرها وسردها في هذه العُجالة

إفترقت بنا الطُرُق و تخرج هو قبلنا ولم ألتقيه إلا و أنا أصطحب إبنتي الدكتورة (رنا) طبيبة الأسنان لألحقها بجامعة الرازي فكان هذا هو لقائي الأول به منذ أيام الإسكندرية

فكانت جلسة عامرة بالأحضان والذكريات وقد ذهبت سنوات العمر بكلينا وذبُلت تلك النضارة وعنفوان الشباب

ولكن …..
متى بدأت فكرة إنشاء كلية الرازي للأسنان و من هم المؤسسين لها وما هو مصدر التمويل
وأين إختار هذا الإسم تحديداً (الرازي) وما علاقة زيارته لعمته بحي الصحافة ومستشفى إبن سيناء بإختيار الإسم !

تابعوني غداً بإذن الله

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى