مقالات الرأي

حدثت أمام عيني ..جرائم ميليشيا الدعم السريع كما رأيتها (3)

5WS-SERVICE

   رصد وتوثيق الزين عبد الرحمن محمد احمد المحامي

 

مع بزوغ شمس الحادي عشر من أبريل و في طريق مجي للعمل مررت في النفق بشباب منتشرين من الجنسين أعمارهم لا تتجاوز الثلاثين منتشرين حول القيادة العامة للجيش حتى جامعة الخرطوم ـ البركس فطافت بخاطري ايام الشباب والثورات خاصة انتفاضة ابريل 1985م حين ازاح الشعب المرحوم (جعفر نميري ) من السلطة حلت محله الاحزاب كانت طموحات الشعب لا حدود لها في التعليم المجاني الصحة المجانية وأن تظل الدولة بظلها جموع الحالمين. كل الشعب كان متفائلاً يرجو ويحلم وما كان يتوقع أن يقوده قدره إلى أسوأ الفروض بأن يلبس الثعلب ثياب الواعظين ويفصح لنا ببشريات زائفة ويضمر كل هذا السوء من كان يتصور أن هذه الجنود المجندة تخرب المدارس والمعامل والمصانع وتدنس أماكن العبادة التي يذكر اسم الله كثيراً و الجامعات والمتاحف وأن ما انجلى ورأه الشعب مرأي العين أن هذه المليشيا لها طموحات خفية و تمد حبائل الشيطان وتتحالف من شياطين أمثالها (الامارات ) وأنها تخطط في صمت لمرامي بعيدة في تملك السودان وتسحق اثنياته المختلفة وتتربع على أكتافنا ملوكاً يتوارثون الحكم للابناء ما يدرون أن الممالك والملوك بناها الاجداد بالحكمة والعدل وبعد النظر وسار على نهجهم احفادهم فكانت ممالك راسخة وقائمة حتى الآن . أما انتم فلا لكم من هذه ولا تلك موبقاتكم يستحي الانسان ذو الفطرة السليمة و الوجدان السليم أن تطرق أذنيه لوحشيتها فخذوا مني حكاياتي ومشاهداتي وأشُهد الله أنها حدثت أمام عيني. لم تروى لي رويات أو احاديث مجالس أو كما يسمونها أهل القانون (شهادة سماعية).

بعد ما سادت الفوضى اختلط الحابل بالحابل وصار الجنجويد و من اتخذ مكرهم وهوى أفعالهم في النهب والسلب يملؤن ساحة السوق في بيع المنهوبات راجلين وفي الارصفة داخل بعض الدكاكين في هذا الجو المشحون بالفوضى جاءني طفل يحمل جهاز كمبيوتر فحدثتني نفسي أن يكون في جوف هذا الجهاز داتا قيمة من شهادات ومحاضرات وغيره فصدق حدسي ففتحت الجهاز إذا به ملئ بالشهادات الجامعية والمحاضرات الجامعية والمستندات وشهادات بحث للاراضي وبه محاضرات مختلفة أخذت يومي في البحث في جوفه فوجدت محاضرات لفترات تمتد لعدة سنين ولحسن حظه وجدت سيرته الذاتية ضمن هذا الكم الهائل من البيانات فاتصلت عليه وأبلغته بأن الجهاز في حوزتي بعد شرائه فارسل لي استاذة لاستلامه فاستلمه مني.

إن لم تخن الذاكرة اسمه (فيصل) يعمل في الصندوق القومي للطلاب محاضر في عدة جامعات ويشرف على عدد من بحوث الدكتوراه والماجستير هذا حادثة واحدة أجزم بأن على شاكلتها ألاف من الحوادث .

بعدما خاضت الميليشيا معارك طاحنة مع الجيش السوداني في قلب الخرطوم وبحري وام درمان وخابت مساعيهم في تحقيق طموحاتهم بالاستيلاء على السلطة ونجاح مشروعهم الخائب بدأوا في التمدد في شرق النيل وقد جاءوا بعد ثلاثة أشهر في سوق (6) وعد بابكر فكان موعدنا مع نذير الشؤم فانتشروا في الشوارع ونصوبوا ارتكازاتهم في مناطق مختلفة من السوق وفي عد بابكر اقاموا ارتكازاً في كوبري الترعة كان ارتكاز جبايات كل ركشة أو تكتك يمر به عفش يأخذون منها جباية توضع في بيت مال جيوبهم هم قوم حياتهم قائمة على الفوضى. بينما هم في غيبوبة السلطة جاء بهم قدرهم إلى عد بابكر يبحثون عن شخصين كان ذلك في أول يوم أيام من عيد الاضحى المبارك وكان أغلب السكان في معايدة أهلهم والتواصل معهم ومباركة العيد لذويهم رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها.فوجدوا أحد المواطنين جالسا أمام ديوانه فطلبوا منه أن يدلهم على اسماء الاشخاص المطلوبين فذهب معهم فإذا هم يكيلون له الشتائم والضرب والمبرح فاصابوه في بطن رجله بطلق ناري فإنجاه الله منهم… بدأ الشباب الأفذاذ الشجعان المقاتلين بالفطرة فأمطروا عليهم سيل من الرصاص كأنه ريح عاصف فأنفض جمعهم وولوا هاربين تاركين قتلاهم صرعى وللامانة والتاريخ عد بابكر هذه محاطة بهم إحاطة السوار بالمعصم . هذه هي الجولة الأولى من المعركة كانت مدتها حوالي ساعتين إلى ثلاثة ساعات . فعادوا الكرة في صبح اليوم التالي و كعادتهم نهبوا سوق البقالات بما فيه من مواد غذائية وغيرها من الاشياء ولكن لم يدخلوا حرم أي منزل في المدينة فقاموا بمحاصرة المدينة من الجهة الجنوبية مع أعداد هائلة من المسلحين الطائشين والسكارى فكانت بنادق النشاما على موعد مع رقاب الغاصبين المعتدين فحصدتهم حصاد مباركاً واحتسبوا شهداء في هذا اليوم وكان الانتصار المدوى وكتابة التاريخ بمداد من ذهب لقد صمدت المدينة في ليلتها وفي صبح ليلتها انتصاراً باهراً يخلد في ذاكرة التاريخ فلم يتعظوا من يومهم وليلتهم فعادوا إليها من الجهة الغربية معهم حكاماتهم يدقون الطبول فقصفوا المدينة بوابل من الرصاص بكافة أنواع الاسلحة واضعين في أذهانهم أن ذلك قد يخيف أهل المدينة فتصدى لهم الشباب بقوة وجسارة ودحروهم وأوقعوا فيهم كثير من القتلى والجرحى فكسروا قاعدة أن من يملك السلاح الثقيل من تاتشر ودوشكا يهزم المقاتل المؤمن الصابر المدافع عن ماله وعرضه. والله أقولها بكل الفخر والسؤدد أنهم دحروا وهزموا شر هزيمة وولوا هاربين وسعوا هم للصلح والتعايش فجاءوا للصلح هم صاغرون .

لكن هذا النصر الغالي وحماية والارض والعرض دفعنا ثمنه غالياً دفعنا ثمنه أرواح غالية كالشموع المضيئة ووجوه شاربة من وجه القمر ضيائها فقدنا يا سادتي والقلب يبكي والدمع منهمر وأنا أكتب الشهيد / أحمد عبد الله الخضر محمد بابكر ذلك الابن الشجاع الذي أفترس منهم في الليلة الأولى كثيرا بكفه وهو سليل الفرسان أباً عن جد نسأل الله أن يتقبله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم آله ووالديه الصبر وكان استشهاده عليهم صعباً وقاسياً ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله (وإنا لله وإنا إليه راجعون)

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى