مقالات الرأي

ذكريات حول محكمة كنانة الجزئية

فايف دبليوز سيرفس

بقلم / مولانا حسين الفكي

كنانة الوعد والأمل…
نقلت لمحكمة كنانة الجزئية في مارس ١٩٩٠م وهي محطتي الثانية في عملي القضائي.
حزمت حقيبتي المتواضعة واصطحبت معي ميزان العداله مكتوب علي كفتيه قول الله تعالي
( من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد )
سورة فصلت .
وحملت معي بيت شعر لاحد الشعراء العرب
اذا كانت النفوس كبارا،
تعبت في مرادها الأجسام.
استلمت العمل بمحكمة كنانة الجزئية في الثاني والعشرين من شهر مارس ١٩٩٠م وانا قاضي من الدرجة الثانية .
الحماس والشفقة سبقاني إليها ولكني كنت اعتقد في قرارة نفسي انها امتحان صعب وابتلاء عظيم الا انني حمدت الله ان هيا لي ان اركب الصعب، ذلك الحماس الغير منضبط ( من عمل الشيطان ) الذي إنساني ان ابتدر اللقاء باجتماع مع موظفي وعمال المحكمة علي اقل تقدير ان ابتدر بتحية السلام عليكم ورحمة الله لهؤلاء الجنود المجهولين واعرفهم بنفسي حتي يطمئنوا في اعمالهم ويهئوا أنفسهم لهذا القادم الجديد ولكني بفضل استدركت هذا الخطأ وهذا الحماس الزائد فكان ما جاء بعد ذلك تعاون منقطع مع أسرة المحكمة عمالا وموظفين وشرطة فكان الاحترام المتبادل بيني وبينهم وانداح هذا التعاون الجميل ان تدخل شركة كنانة لصناعة السكر وتكون احد محاوره الهامة لتخرج رسالة العدل التي أحملها بين جنبي شراكة ذكية بين مجتمع كنانة وأسرة محكمة كنانة .
فالعدالة تحتاج الي جهود المخلصين في المجتمع الي جانب جهد السلطة القضائية بكل مكونتها . احيانا كنت أظن محظوظ بوجودي في مجتمع كنانة واظن احيانا اخري ان ما انا فيه في كنانة امتحان صعب وعسير يحتاج الي توفيق الله وسنده . وأحيانا ياتي إليك احساس شيطاني انك الأمر الناهي فتدخل في غطرسة واستكبار ينسيك ذكر الله وان المنعم المتفضل علينا هو الحق عزوجل .
المهم إدارة كنانة في اعلي مستوياتها الرسمية والشعبية كانوا شركاء في إدارة العدل وحقيقة من لا يشكر الناس لا يشكر الله فالتحية والتقدير والامتنان للعضو المنتدب الدكتور عثمان النذير والدكتور احمد الفاضل ومحمد الماحي وعلي محمدالحسن
( شئون العاملين )
وإدارة الحصاد والورش والمزرعة والشيخ محمد الفضل عثمان أمام وخطيب مساجد كنانة ودوره في تحفيظ القرآن الكريم لأسرة شركة سكر كنانة .
.وكل الادارات ومجتمع كنانة كل هؤلاء كانوا عونا لنا في إدارة العدل ونشهد انهم لم يأتوا خصوما أمام هذه المحكمة بل كانوا يحسنون الحياد .
مما علق بذاكرتي كيف ان العشائر وزعماء القبائل كانوا يمثلون سقما مقدرا في إدارة العدل في محاكمهم الشعبيه وكاعضاء في المحكمة الكبري واعضاء في لجان الصلح المنتشرة في المنطقة ، قبيلة الصبحة منهم يوسف حامد واخر من قبيلة دغيم وسليم .
العمل في محكمة كنانة ابتلاء عظيم فالعيش في كنانة عيش هنيء رغد وكذلك بيئة العمل تتوفر فيها كل وسائل الراحة من سكن وعربات فارهة وكان صديقي عليه رحمة الله مولانا يحيي فضل حاكم كان عندما يكتب لي وهو قاضي في سنار ( قاضي محكمة كنانة
الوعد والأمل ) .
هذه الأجواء الجميلة لم اطقها ولم اتحملها فطلبت ان انقل منها وكان هذا مثار دهشة من بعض الزملاء وقد امضي فيها ثلاث سنوات ثم نقلت منها لمحكمة المدينة عرب وكنت فرحا بهذا الانتقال
وخرجت من كنانة متزودا بسلوك الصبر وفضيلة التقاضي عن هفوات الزملاء والآخرين والحلم والتجاوز عن أخطاء الآخرين.
وان النعمة وان طالت فإنها الي زوال وادركت ان النعم تزيد بشكر الله عليها فسالت الله سبحانه وتعالي ان اعتلي سلم شكر النعمة ما دمت علي قيد وأصبح هذا راتبا يوميا، وتعلمت فضيلة الصبر في كنانة وتزودت بمعانيه في بقية حياتي وتعلمت اسداء المعروف لمن أهداني معروفا ليس سدادا بالمال ولكن بالدعاء بالبركة في العمر والرزق والمال والولد فجعلت من هذا الدعاء راتبا .
تعلمت من العمل القضائي ان الدين المعاملة فكبر في نظري الإنسان مهما كانت فهو اغلي ثمنا وتفضيلا فوجدت التواصل خير معين لي في ان اذكر محاسنه واتجنب عيوبه فلسانك لا تذكر به عورة أمري
فكلك عورات وللناس أعين.
وما من خليفة وان خالها تخفي علي الناس تعلمي
.وتعلمت ان الدعاء سلاح المؤمن به ينصلح حاله في الدنيا والآخرة وتعلمت ان أملا فراغي بذكر الله تعالي والاستغفار وكثرة الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم .
كما تعلمت ان الانسان هو محور التنمية والنهضة وخير وسيله اكتسابه لا التقليل من شأنه
.تعلمت ان الانسان مسخر لأعمال الخير والنهضة والعمران وعلينا أن نمدحه بصفاته الطيبة ونغفر زلاته فهو كنز عظيم ان احسنا التعامل معه ووحش كاسر اذا تركناه لنفسه والشيطان فرعاية الانسان لاخيه الانسان بالحسنى هو فلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه الكرام.
والدي اللهم اغفر لهما وارحمهما كما ربياني صغيرا.
حسين الفكي
إمارة عجمان
UAE.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى