
بقلم / أحمد يوسف التاي
(1)
في مطلع ثمانينات القرن الماضي كان المعلم بمدرسة الدندر المتوسطة ، ذلك الرجل الحاذق الصارم قليل الكلام، كان يُدرسنا رواية “الأيام” للمفكر المصري طه حسين..كان ذلك المعلم يخفي الكثير من الإمتعاض ويبدي بعضه إزاء تجاهل مناهجنا التربوية وإغفالها لقامات ومفكرين سودانيين لايقلون شأواً وفكراً وعبقريةً عن طه حسين والعقاد، ولكن مناهجنا التربوية تجاهلتهم وافتتنت بمن سواهم.. ذلك النقد الذي وجهه المعلم للمنهح المفتون بماهو مستورد ، كشف لنا في وقت مبكر أن معلمنا ذلك الصارم الجاد شخصية مختلفة تماماً ومميزة تماماً ومستقلة تماماً.. لايدرّٖس طلابه ما اعدته المناهج التربوية وحسب بل يبدي رأيه بوضوح وقوة في خطل المناهج التي تُدرس للطلاب ويلفت الإنتباه بقوة للإعتزاز بوطنيتنا وتمجيد مفكرينا وابطالنا وقاماتنا بدلا عن تمجيد قامات ربما هي دوننا.. ويلفت الإنتباه لأمر في غاية الأهمية وينتقد المنهج الذي يدرّٖسه هونفسه..هذا أيضا كشف لنا في بواكير أعمارنا أننا أمام شخصية صادقة مع نفسها وجريئة في طرح آرئها حتى في المنهج المفروض عليها تدريسه للطلاب دون إبداء رأي، شخصية صارمة لا يحول بينها وقول الحق وما تراه صوابا أي حائل..
وهذا لعمري هو قمة الصدق مع النفس والطلاب الذين يتلقون العلم على يديه وذاك هو المنهج التربوي القويم الذي يعلم النشيء الاستقلال بالرأي وقوة الشخصية والجرأة في طرح ما تراه صوبا..
(2)
هكذا كان معلمنا الأستاذ عبد الرحيم جادين الذي اختطفه الموت فجر اليوم من بين أيدنا، فقد أسلم روحه الطاهرة لباريها فجر اليوم الأحد المواقف 13 إبريل 2025 بمستشفى القضارف إثر علة لم تمهله إلا ساعات قليلة …علة داهمته بعد إن أدى صلاة الصبح في جماعة بالمسجد الكبير بالدندر ..فقد كان آخر عهدنا به وآخر لقاء بالمسجد الذي لايغيب عن اوقات الصلوات الخمسة فيه أبداً إلا لعلة، لذلك قد شهدنا له بالإيمان طالما أننا نراه دائما في الصف الأمامي بالمسجد عابداً متبتلاً في محراب شعيرة الصلاة، مثلما نشهد بصدقه ووضوحه وجرأته في الحق وجديته في أداء واجباته ووظيفته وكفاءته الإدارية عندما أوكلت له إدارة المرحلة…وفوق هذا كله كان رياضياّ مطبوعا، ومراسلاً لبرنامج عالم الرياضة بإذاعة أم درمان منذ الثمانينات.
(3)
فقد رحل عنا علماً من أعلام منطقة الدندر، ومربي أجيالها وقد بكاهُ زملاؤه وطلابه وأهله بقلبٍ صديعٍ ودمعٍ هميل، وبكته الأمهات والعذارى وربات الخدور، وقبل كل ذلك بكته الإنسانية واعمال الخير التي كان جزءاً من عنوانها البارز
(4)
عندما قدمت أسرتي من الخرطوم تحت زخات الرصاص ووابل النيران كان استاذنا عبد الرحيم وأسرته أول المتفقدين لأحوالنا واول الداعمين لنا واول المخففين لآثار صدماتنا ، وليس ذلك بمستغرب على عبد الرحيم جادين الإنسان الذي يعمل بصدق وصرامه لايخلطهما رياء، وينفق بلا من ولا أذى..نسأل الله إن يفيض عليه بغيوم الرضا والغفران ويوسع مراقده ويبدله دارا خير من داره واهلا خير من اهله ويتغمده برحمته التي وسعت كل شيء وينزل على قبره شآيب الرحمة، ويجعل البركة في ذريته…آمييين..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.