
تحليل: أحمد يوسف التاي
بإلقاء نظرة فاحصة على معطيات المسرح السوداني على صعيديه العسكري والسياسي، مع الأخذ في الاعتبار التطورات المتلاحقة في الساحة السودانية على ذات الصعيدين (السياسي والعسكري)، يدرك المراقب السياسي أن ثمة أمراً ما أو تطورات كبيرة وتحولًا قادماً على المسرح السوداني.
التطورات المشار إليها تمضي باتجاه إنهاء الحرب، وتشكيل حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء مدني تقوم بمهام انتقالية محددة، إضافة إلى بدء حوار سوداني سوداني ينتهي بتسوية سياسية تنهي الخلافات بين القوى السياسية. ولعل مؤشرات ذلك تبدو في المعطيات التالية:
(1)
من المعلوم أن السعودية بدأت مشوار الحوار والتفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة، وتوصلت إلى إعلان جدة في مايو 2023 والذي اشترط خروج المتمردين من منازل المواطنين. والآن هذا الشرط (حدث) بصورة أو أخرى. ورغم أن ظروف الحرب اختلفت عما كانت عليه بترجيح كفة الجيش، ما يجعل الاتفاق مع الدعم السريع يتراءى وكأنه أمر لا قيمة له بموازين القوة والسطوة، إلا أن الرياض ما زالت ترمي بثقلها في إحداث التسوية السياسية بين الجيش والمتمردين، بينما تعمل القاهرة والاتحاد الأفريقي في ملف الحوار السياسي بين القوى المدنية السودانية.
ولعل زيارة البرهان غير المعلنة، والتي أُحيطت بسياج من التكتم والسرية، تمضي في هذا الاتجاه.
(2)
ومن المعطيات الأخرى التي تدعم التوجه نحو حدوث التطورات السياسية التي سبقت الإشارة إليها، أنه لم يعد سرًا أن السلطة القائمة لا ترغب في الاستمرار بالحكم. ربما ليس زهدًا في السلطة، ولكن كثيرًا من الظروف المحيطة لا تدعم أي مظهر من مظاهر الحكم غير المدني. ولعل تجربة انقلاب 25 أكتوبر 2021 كانت كافية للاعتبار، حيث لا تزال السلطة القائمة تواجه صعوبات “الشرعية” وتعليق عضوية الحكومة في المؤسسات الإقليمية والدولية.
الأمر الثاني الذي يؤخذ في الحسبان أن القائد العام للجيش في أكثر من مناسبة أكد عدم رغبة الجيش في الاستمرار بالحكم، وأنهم سيعملون على تسليم السلطة لرئيس وزراء مدني وتكوين حكومة مدنية من التكنوقراط. أو وربما أراد البرهان وقيادات الجيش ختم حياتهم العسكرية والسياسية بالانتصارات على قوات الدعم السريع المتمردة والوصول معها إلى تسوية تنتهي بتفكيكها.
(3)
حديث البرهان للمبعوث الألماني الخاص بأفريقيا امس الخميس عن اتجاه البلاد نحو تكوين حكومة مدنية من التكنوقراط لإدارة الفترة الانتقالية والانتخابات، وعزم الجيش على الابتعاد عن السياسة والحكم، حديث تردد كثيرًا من جانب المسؤولين السودانيين عقب لقاءاتهم مع مسؤولي الأمم المتحدة والغرب. وكذلك الحديث عن الترتيب لحوار سوداني سوداني لا يستثني أحدًا من القوى السياسية، حتى لغة (عداء المؤتمر الوطني) اختفت، ما يعني أن الحوار سيكون شاملًا لكل القوى السياسية.
(4)
وزير الخارجية الدكتور علي يوسف ظل يروج في الفترة الأخيرة لبرنامج الحكومة وخارطة الطريق المعلنة لإنهاء الحرب والمضي باتجاه تكوين الحكومة المدنية وتهيئة المناخ لانطلاق الحوار السوداني السوداني لإنهاء الخلافات والصراع السياسي بين التنظيمات والأحزاب.
(5)
والمتابع لمعطيات ومؤشرات المسرح السياسي يلاحظ أن هناك تحركات تمضي في خطين متوازيين رغم بطئهما وتثاقل خطاهما، إلا أنهما لا يخفيان على احد. إذ إن أحدهما يمضي نحو التفاوض مع المتمردين، سواءً كان تفاوضًا للتسليم والتفكيك كما تقول الحكومة، أو تسوية سياسية كما تتراءى في بعض الملامح.
والاتجاه الثاني يمضي نحو الحوار بين القوى السياسية بهدف التسوية والتوافق على الدستور والمفوضيات المتخصصة، وترتيبات الانتخابات تمهيدًا لتسليم السلطة للمدنيين حاضرًا ومستقبلًا. أو على الأقل هذا ما تقول به المعطيات إذا كانت معطيات حقيقية.