مقالات الرأي

سوات العاصفة بي ساق الشتيل الني عادل عسوم

فايف دبليوز سيرفس

سوات العاصفة بي ساق الشتيل الني
عادل عسوم
اعتدت تسمية أمثال هذه الخوالد من اغنياتنا بالماتعات، وهذه لعمري ماتعة ذات وضيب، كتب كلماتها شاعر الريف الشمالي لامدرمان راحلنا المقيم في وجدان أهل السودان محمد علي ابوقطاطي الذي لقي ربه قبل بضع سنوات فقط رحمه الله.
أبوقطاطي لم يتعد تعليمه الخلوة، لكنه وكما قال في مقدمة ديوانه (درب المحبة):
استفدت كثيراً من مقامات الحريري، كما أعجبت بأشعار عنترة وابن الفارض والمتنبي وأحمد شوقي، ومن السودانيين التيجاني يوسف بشير والحردلو وخليل فرح ومحمد المهدي المجذوب.
كلمات هذه الماتعة والتي درج على تسميتها (سمح الزي) بسيطة في صياغها اللغوي، تستقي من دارجتنا السودانية ألقها حيث تتبين جذور الكلمات الفصيحة في سرابات القصيد وعراجين ثمار السياق، كل كلمة فيها اجدها محتشدة بل و(مستفة) بالكثيف من المشاعر والاحاسيس، هذه هي كلماتها:
سوات العاصفة بي
ساق الشتيل الني
وفعل السيل وقت يتحدر
يكسح ما يفضل شي
دا كان حبك وكت حسيتو
شفت الدنيا دارت بي
وكت شفتك
شعرت الرعشة من صوف راسي
لي كرعي
ومن الساعة ديك يالسمحة
ولع فيني جمر الغي
كتمت الريدة ما شافوها
ناس الحي
وقلت الجنة ان شاء الله
ما يقسن دروبا علي
ونجم الليل
منو العداهو غيري
وسافر بي خيالو هناك
صنقر فوق سحاب الري
بنيت في الموج قصور آمال
ومديت للرهاب إيدي
وشديت سرجي فوق الريح
عشان ألقاك
بدور أطوي المسافات طي
صعيب وصفك
لأنك هالة كلك ضي
وفوقك هيبة واجمل قامة
واسمح زي
جمالك في البنات معدوم
شبيهك ما كحل عيني
أقدلي
وسكتي الخشامة
وانزلي في العواذل كي
يااااه
لقد كتبت من قبل عن راحلنا صديق مدثر عندما عبر عن الذي اصابه من تشتت وارتعاش يدين عند اللقاء في ماتعته الفصيحة ضنين الوعد عندما قال:
كان بالأمس لقاء عابرا
كان وهما كان رمزا عبقريا
كان لولا أنني أبصرته
وتبينت ارتعاشا في يدي
بعض أحلامي التي أنسجها
في خيالي وأناجيها مليا
ابوقطاطي نحى ذات النحو وهو يعبر عن حاله عندما اقتحمته احتشادات الرؤية فإذا بال(عاصفة) تفعل الافاعيل بساق الشتيل الني
وفعل السيل وكت يتحدر
يكسح ما يفضل شي
ولإن كان صديق مدثر ابن مدينة، فإن ابوقطاطي ابن ريف ومزارع لايتفصم عن الأرض ومافيها من زرع وماء، ولعمري ان وصفه لفعل السيل وكت يتحدر يكسح مايفضل شي لأمر عجيب!
ولا احسب ان شاعرا عربيا قد وصف اقتحام مشاعر الحب بالسيل من قبل.
دا كان حبك وكت حسيتو
شفت الدنيا دارت بي
وللرجل في وصف حال المحب في العديد من بنات اشعاره من خوالدنا المغناة، منها الماتعة التي غناها وردي ايضا
مسكين البدا يأمل
أملُو يغلبُو تحقيقُو
و العاشِق الجفا المعشوق
وا سهرُو ونشاف ريقُو
وكذلك في ماتعة له أخرى ولكن غناها الراحل خليل اسماعيل وهي:
الأماني العذبة تتراقص حيالي
والامل بسام يداعب في خيالي.
ويضيف ابوقطاطي وصفا آخر لحاله حين رآها:
وقت شفتك
شعر بالرعشة من صوف راسي
لي كرعي
ومن الساعة ديك يالسمحة
ولع فيني جمر الغي
ويظل ايداع الوصف يتدفق كالشلال وهو يقول:
ونجم الليل
منو العداهو غيري
وسافر بي خيالو هناك
صنقر فوق سحاب الري
بنيت في الموج قصور آمال
ومديت للرهاب إيدي
لعمري لكأنه استقي المعنى من الآية الكريمة:
{…كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا…}
ثم يتبع ذلك بوصف بديع وهو يقول:
وشديت سرجي فوق الريح
عشان ألقاك
بدور أطوي المسافات طي.
وما كان الرجل بخيلا حيث وصف للناس جمالها فقال:
صعيب وصفك
لأنك هالة كلك ضي
وفوقك هيبة واجمل قامة
واسمح زي
جمالك في البنات معدوم
شبيهك ما كحل عيني
وجاء وردي الموسقة والألحان ليلبسها ثوبا قشيبا، لقد بنى اللحن على ايقاع العرضة الذي لاتجده كثيرا في اغنيات وردي، ولعله نظر إلى الاخيلة في القصيدة فوجد فيها عنفوانا يحتاج إلى ايقاع يتماهى مع عاصفة تقتحم ساقا لنبات لم يقو عوده بعد، وسيلا كاسحا لايبقي ولايذر ، ثم اضاف الى الاخيلة بعدا جديدا بصوته البديع وأدائه الفخيم.
ثم إن زخم الكمنجات في هذه الماتعة يحكي عن لوحة المشهد المحتشد بالرؤى، وطبيعة اللحن بما فيه من ارتقاء مع المدود وخفوت مع ياء خواتيم القافية يشد المتلقي ويسوقه سوقا إلى أن يختمها وردي فيقول:
أقدلي
وسكتي الخشامة
وانزلي في العواذل كي.
adilassoom@gmail.com

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى