مقالات الرأي

على جسد الوطن تتراقص سكاكين الداخل والخارج

5Ws-service

بقلم / المستشار الطيب مضوي شيقوق(محامي – ومستشار قانوني)

ما يجري في السودان ليس مجرد حربٍ أهلية، بل هي فاجعة وطنية تتقاطع فيها الخناجر المحلية مع السكاكين المسمومة التي امتدت من بعيد. وطنٌ كان في حاجة إلى صدرٍ دافئ، فإذا به يُلقى على مائدة الصراع، تُمزقه أيادي أبنائه، وتُساوم عليه عيونٌ لا تعرف من ترابه سوى ما يُثمن ويُشترى.

 

منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة و مليشيا الدعم السريع، في ربيع أسود من عام 2023، لم تهدأ الحرائق، ولم تُرفع رايات الندم. كل طرف يدّعي السيادة، وكل سلاح يزعم أنه يصون الوطن، بينما الوطن ذاته يُقتل كل صباح، مرة باسم الأمن، وأخرى باسم الثورة، وثالثة تحت لافتة “الحل الإقليمي”.

 

وطن على خارطة المصالح

 

لم تعد أرض السودان شأنًا سودانيًا خالصًا. فالموانئ أصبحت موضع سباق، والممرات مورد أطماع، والقرارات تُصاغ في غرفٍ باردة خارج الحدود. بعض الأصدقاء الجدد يزرعون في تربة السودان قواعدهم، والبعض الآخر يمد الحلفاء بالسلاح والذخيرة، والبعض يراقب الخراب عن بُعد منتظرًا أن تضع الحرب أوزارها ليحصد الثمار.

 

هكذا تحوّل الوطن إلى رقعة شطرنج، لا يُحرّك بيادقه أبناؤه وحدهم، بل تُملي الخطط أصابع غريبة، بعضها ناعمٌ ومخاتل، وبعضها فظّ لا يخفي سكينه.

 

الدم السوداني… وقودٌ لغيرنا

 

وحده الشعب السوداني يدفع الثمن. نزوحٌ بالملايين، موتٌ بلا عدّ، أحياء تتحوّل إلى خرائب، ومدن كانت تنبض بالحياة أصبحت الآن مجرد خرائطَ للحصار والمجاعة. مدارس أُغلقت، مستشفيات تهدمت، وذاكرة وطن تُغسل كل يوم بالدم والرماد.

 

ووسط هذا الخراب، ترتفع أصوات لا تحمل إلا صدى الطمع، تبيع في العلن “حلولًا” مرقّعة، وتُخفي في السر صفقات لا مكان فيها للناس ولا للتراب ولا للتاريخ.

 

رؤية وطنية… أو لا وطن

 

لن يُخرج السودان من هذا المستنقع الغارق سوى مشروع وطني نابع من الذات، لا يُستورد ولا يُملى. مشروع يُبنى على قيم المواطنة، وعلى الاعتراف المتبادل، وعلى العدالة التي لا تُؤجل، والتنمية التي لا تُميز.

 

قد تختلف الأيديولوجيات، وتتباين الرؤى، لكن لا خلاص دون مظلة وطنية تجمع تحتها الجميع، وتُقصي عنها كل يد أجنبية لا ترى فينا إلا مصالحها.

 

خاتمة:

 

ها هو الجسد السوداني مُلقى على الأرض، تحيط به السكاكين من كل اتجاه. بعضها من دمٍ يعرفه، وبعضها من برود لا يعرف الرحمة. ولن تُرفع هذه السكاكين إلا إذا وقف أبناؤه – ولو للمرة الأخيرة – صفًا واحدًا، لا خلف بندقية، بل خلف حلم يستحق أن نعيش له لا أن نموت بسببه.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى