صبري محمد علي "العيكورة"

عيدُ ليته يعود (فطُور حقّار)

صدق المداد|| صبري محمد علي " العيكورة"

 

بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)

كانت أمي (رقيّة بت حقّار) رحمة الله عليها تحرص على تجهز فطور العيدين و ترسلني بهما لوالدها الحاج أحمد عباس الماحي الملقب ب (حقّار) في الفريق القدامي من الحلة بينما منزلنا يقع (بفريق ورا) والذي لا يبعد كثيراً عن شارع الحصاحيصا مدني

كانت مهمة الفطور هذه قد بدأت قبل أن يشتد ساعدي على حمل الصينية على رأسي

كل هذا المشورار الطويل مع مخاطر (السلامة المرورية)

فكانت رحمة الله علبها تحملها لي حتى توصلها لي زقاق دكان ود الطيب وهو ليس بعيدٍ عن نقطة الوصول

و كان زقاقاً نظيفاً لا يشكو إمتاً ولا عوجا يمر ببيوت ناس الحاجة خُلدي بت منصور و يوسف ود هُود وبتول بت منصور وآمنة الصيدة قبل أن ينحرف يميناً قليلاً في مواجهة بيت خالنا النمر ود حمزة ثم بيت أحمد ود حمد النيل الذي تقبع على زاويته زريبة حماره بعده ينتهي بي المسار الى الديوان الكبير للخال البشير ود حقار متعه الله بالصحة والعافية حيث يتواجد جدنا حقّار

شجرة النيمة الكبيرة كانت تغطي مساحة كبيرة من حوش الديوان كما لا تبخل علي زريبة الحمار بالظل الوريف أيضاً بالناحية الشمالية

حيث يفصلها جدار من الطين اللّبن عن منزل شقيقة جدنا الطاهر ود عباس

كان هُناك يتجمع (الخيلان) والأبناء والأحفاد في حضرة الجد حقار وكثيراً ما كانت تقتحم الجمع الخالة فاطنة بت حقار كبرى بناته بسلامها الحصري
أريت ربي يسلمك
أريت ربي يعافيك
العيد مبارك عليكُون

ليس هناك حوش للديوان بل كان باب الديوان يفتح مباشرة في الطريق المتجه شمال جنوب مما يتيح سهولة دخول العابرين اليه للمعايدة ثم مواصلة المسير نحو مبتغاهم

صواني الفطور كانت تقريباً (إستايل واحد) عصيدة مع التقلية أو النعيمية و صحني الشعيرية و السُكسكانية

ولكن الحق يُقال لم أذق طعاماً أشهي من إفطارات أعياد تلك الأيام كان (المُلاح) إتقان وخبرة وصبر ولم تعرف العيكورة الثلاجات يومها

وكلمة (مُلاح) هذه عرّفها (البروفيسور) عبد الله الطيب في كتابه حقيبة الذكريات عندما وصف طعام جامعة الخرطوم في أيامهم

فقال …..
فجاءت الجامعة بنساء يعُسن الكسرة ويُسوين (المُلاح) والمُلاح هو إيدام يصنعه أهل السودان أعلاه اللحم وأدناه الماء وبينهما ضُرُوب من الخُضر (إنتهي)

وأظن إستخدامنا لكلمة (ناس) بالسودان ونعني بها الأسرة أو العشيرة أعتقد أن بها نوعاً من الدفء والحميمية أكثر من ذكر الأسرة مُجردة

كانت مهمتي لديوان حقار غالباً ما تنتهي قبيل صلاة الظهر
عائداً بالواعين ومُثقل الجيب بنقود العيدية من الجد والخيلان ولربما ينقدونني برسائل مالية لإخواني الصغار انس و دكتور عفيف أيضاً

تلك المهمة السنوية غرست في نفسي وداً خاصاً لمرتع الطفولة لبيت الطفولة الذي يسكن محله حالياً الخال بشير وأسرته

فلا زلت وبعد كل هذه السنين بإمكاني التحديد وبدقة أين كانت الزريبة وأين الشعبة التي نطحتني عندها بقرة بسبب أن خدعني كبيرنا المرحوم دكتور عمر عبد الله الطيب حين أمرني بالمرور أمامها وعليّ أن لا أخافها ولكنها فعلت بي ما فعلت

ما زلت أذكر أين كانت حنفية الماء و طشت العلوقة وموضع سرج الحمار وسحّارة حبوبتنا بت المنى بت المبارك ود رحمة الله

ما زلت أذكر أين كان يتكئ جوال الفحم و جوال الذرة والقمح وأين كان يُعلّق الغربال والكُنش والمُشلعيب وكيف كان يُغطى برميل الماء

حدثني شقيقي الأستاذ أنس أن الشريف أحمد الصديق الهندي ساله ذات يوم إن كان يعرف (الإسم الحركي) لحبوبتنا بت المني و وضع له جائزة مقدارها (٥) مليون بشرط أن لا يتصل بأحد!
وبالطبع لم يعرفها فقال له الشريف إنه (أم شنيشينة) ولمن لا يعرف فإن الخليفة الحالي للسجادة الهندية ببري الدكتور الشريف أحمد هو إبن العيكورة وقد عاش طفولته بها مع شقيقة المرحوم الشريف الأمين الصديق الهندي
ولم تكن العلاقة مساكنه غحسب بل أن أم والدهما الشريف الصديق رحمة الله عليه هي بخيتة بت الحاج عباس أماً وأباً من العيكورة وسبق أن كتبنا عن ذلك ضمن كتابي (شجرة ود العوض)

هذا التواصل والربط الوجداني الذي كانت تحرص عليها الوالدة كان هو بذرة الميل الذي لا أنكره نحو أسرتها فلا أذكر أنه بمقدوري ذكر إسم أحد أخوالي أو خالتي مجرداً دون أن أسبقه ب (خالي أو خالتي)
كان الخال (الطيب) قليل التواجد بحكم تجارته في السعف والمحاصيل بين الصعيد والجزيرة وأما أستاذ اللغة العربية (علي) فقد قضى ردحاً من الزمن متنقلاً بين مدارس الدلنج والفاشر بعيد تخرجه من جامعة الأزهر قبل أن يستقر به المقام في مدرسة المؤتمر الثانوية بمدني
وأما الخال البشير متعه الله بالصحة والعافية فعمل بواكير شبابه في سلك الشرطة ثم تركها ليلتحق بالري ليكون ضمن أمهر مشغلي القريدرات وظل فيهارحتى تقاعده

عفواً عزيزي القارئ فقد إنزلق القلم مني بلا إرادة وهكذا هو كلما تذكرت تلك الأيام الخوالي وتلك المواقع

رحم الله من مضي وحفظ من بقي

وكل عام وأنتم بخير

 

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى