
بقلم /أحمد يوسف التاي
(1)
تناهى إلى علمي أن مسؤولاً رفيعاً بالدولة طلب من إحدى لجان الاختيار للخدمة المدنية، أو لنقل (سلطة الإختيار الحالية) تعيين إبنته في منصب سكرتير أول بوزارة الخارجية..ولم يقف عند هذا الحد بل أمر (سلطة الإختيار) بتعيينها ونقلها إلى واشنطون على جناح السرعة…علمتُ من مصادرنا..أن التعيين تم على وجه السرعة، وليس هذا فحسب بل غادرت (كريمة) المسؤول الرفيع السودان إلى واشنطون لتستلم وظيفتها هناك بالعاصمة الأمريكية (واشنطون دسي)..
وحينما كنا نستوثق من معلومة “التعيين” ،جاءنا الخبر اليقين: يا مسكين “المحروسة” سافرت كمان..
الحكاية يا إخواني ما محتاجة إلى تعليق..ولا شرح ولا حتى نقد..فهي فضيحة كبيرة تحمل في طياتها بؤساً ،وتكشف حجم الانحدار الذي وصلنا إليه ،وأي مستوى من مستويات إستغلال السلطة والنفوذ انتهينا إليه..إذ أصبح التعامل مع (العام) كأنما هو ملك شخصي أو تركة يتوارثها المسؤولون إبناً عن أبِ وأباً عن جدٍّ..
(2)
لكل ما سبق أقول أنه لا مخرج ولاسبيل لإنقاذ البلاد من هذا البؤس والمحسوبية المفضوحة إلا التمسك بالديقراطية والحكم الرشيد وحرية الإعلام وبناء الدولة المدنية على أسس من العدالة والطهر والمساواة بين المواطنين وصولاً لدولة المؤسسات المنشودة التي ترعي حقوق الفرد والجماعة وتحميها وتصونها بالقانون الذي لايفرق بين حاكم ومحكوم فالجميع عنده سواء..
(3)
قد يضحك البعض ويطلق ابتسامة ساخرة ويردفها بالحجة العاجزة: (السودانيين ديل مابتنفع معاهم ديقراطية،إلا حكم عسكري، أو تلك الحجة البائرة : البيئة مازالت غير مهيأة للديمقراطية)..تلك والله حجة العاجز أو (الماكر) …(الثعلب الماكر) يجر الناس إلى هذا المنطق الضحل و(أخو الجهالة) ينعم بهذا المنطق وكذا العاجز..
انظروا حولكم ..هناك دول كانت غارقة في الفوضى وكانت تُحكم بالحديد والنار والشموليات والدكتاتوريات القاتلة وكان ابواق الدكتاتوريات فيها يخوفون الناس بنفس المنطق الذي يخوفوننا به الآن…لكن الشعوب هناك انتفضت ضد الظلم ونُظُم الإقطاع والشموليات وارتضت الديمقراطية ومكنت لها ولم تختر سواها…انظروا إلى تلك الدول، الآن يمْثُل الرؤساء فيها أمام القضاء ويحكم القضاء على الرؤساء دون خوف أو وجل ، وكم من رئيس اُودع السجن وكم من وزير رفعت حصانته، وكم من مسؤول مثل أمام المحكمة واُدين وكم من مسؤول برأه القضاء العادل.. هذا المستوى وصلت إليه الشعوب بعد إصرار وعزيمة وجرأة..
(4)
أما نحن في العالم الثالث حيث يُكتم على أنفاسنا، لدرجة إني أتردد أن أذكر اسم المسؤول الرفيع الذي سبقت الإشارة إليه في مستهل هذا المقال.. ولو أن الاوضاع طبيعية ومستقرة لكانت الصحافة وحدها الاقدر على ارغامه على ترك منصبه ومحاكمته ليس حبا في السجال والمناكفات والمعارك وإنما دفعاً للظلم ونصرةً للحق والقيام بالواجب والوظيفة.
أعود وأقول أن توسيع دائرة الحريات ولاسيما حرية الإعلام والتمكين للديمقراطية والحكم المدني الرشيد المؤسس على القانون هو مخرجنا الوحيد مما نحن فيها من أوحال وبؤس وصراع سلطوي ..وإن لم نفعل فسيظل صراع السلطة لُجة مظلمة لانستطيع الخروج منها ما دامت السموات والأرضين والضحية المزيد من محارق الأبرياء الذين يحترقون بنيران صراع الكبار…اللهم هذا قسمي فينا أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن براك فيه الله، وثق إنه براك في كل حين.