في حضور من يشبه روحك تهدأ الفوضى داخلك

بقلم: شذى عبدالله طه زين الدين

ثمّة أشخاص يشبهون الهدوء أكثر من الكلام يشبهون الضوء حين يتسلّل برفقٍ إلى الغرف المظلمة لا يقتحمونك ولا يربكونك فقط يجعلونك بخير دون أن تفهم كيف
هم أولئك الذين حين يحضرون تهدأ الفوضى داخلك وتعود الحياة لتسير بإيقاع مألوف بعد أن كانت متسارعة كأنها تهرب من نفسها
في حضورهم لا تحتاج إلى أن تشرح كثيرًا لأنهم يقرأونك بين السطور في ارتباك صوتك، في نظرةٍ عابرة أو تنهيدة خفيفة
كأن بينك وبينهم لغة خفية لا تُقال لكنها تُفهم تربط الأرواح قبل أن تلتقي الأعين
من يشبه روحك لا يجيد الادعاء، ولا يتقن الوعود، لكنه حين يقول أنا هنا يصدق
لا يأتي ليملأ وقتك بل ليملأ فراغك الإنساني الذي لم يمسّه أحد
تجده بسيطًا في حضوره لكنه عميق في أثره، كفنجان قهوةٍ لا يغيّر العالم لكنه يرمم يومك بطريقة لا تُنسى
إنه الحضور الذي لا يحتاج إلى ضجيج كي يُشعرنا بالسكينة
حضور يجعلنا نُعيد اكتشاف ذواتنا ويذكّرنا بأن الطمأنينة ليست حالة مؤقتة بل انعكاسٌ لصدق يلتقي في منتصف الطريق بين قلبين يشبهان بعضهما
في عالمٍ يمتلئ بالضجيج يصبح العثور على من يشبهك نعمة نادرة
فكلما ازدحم الناس حولنا ازددنا يقينًا بأن القرب ليس في المسافة بل في الانسجام
قد يمرّ بجانبك المئات لكنّ القليل فقط من يجعلونك تشعر بأنك في مكانك الصحيح
وحين يغيب هؤلاء لا يرحلون حقًا بل يبقون في تفاصيلك الصغيرة في رائحة القهوة التي أحببتها معهم في أغنيةٍ سمعتها ذات مساء في طمأنينةٍ تأتيك دون سبب فتتذكّرهم
يصبح حضورهم فكرةً دافئة أكثر من كونه وجودًا ملموسًا وتدرك أن الأثر الحقيقي لا يزول حتى وإن غاب صاحبه
القهوة أمامي الآن باردة قليلًا لكنها ما زالت تحمل دفء اللحظات التي شاركتها مع الذين يشبهونني
أرتشفها ببطءٍ يشبه الامتنان وأفكر أن بعض العلاقات لا تحتاج إلى استمرارٍ لتكون صادقة يكفي أنها مرّت بنا برقيٍّ وصدقٍ وهدوء
ربما لهذا أحب القهوة الباردة لأنها لا تكذب
تمامًا كالأرواح الصادقة تفقد حرارتها مع الوقت لكنها تحتفظ بمذاقها وتظلّ قادرة على منحك سلامًا يشبه التصالح مع كل ما كان

ففي حضور من يشبه روحك لا تنتهي الفوضى تمامًا لكنها تهدأ بما يكفي لتتذكّر أنك ما زلت حيًّا وأن في هذا العالم رغم ضجيجه ما زال هناك ما يستحق أن نؤمن به

قهوتي – أحب شربها – باردة