
بقلم/العميد الركن بحري مهندس صلاح الدين محمد أحمد كرّار
(عضو مجلس ثورة الإنقاذ الوطني ورئيس اللجنة الإقتصادية سابقاً)
هذه هي المملكة العربية السعودية دوما.
يا اهل السودان عضوا عليها بالنواجز .
في الايام الفائتة قابلت عددا من الاخوة السودانين الذين جبرتهم ظروف الحرب بان يتواجدوا بالمملكة العربية السعودية سواء من الذين كانوا في عمرة رمضان عند قيام الحرب او الذين جاؤا في زيارات عائلية من النساء والرجال والاطفال ، وكلهم تلهج السنتهم بالشكر لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين لما وجدوه من رعاية واهتمام خلال السنتين الماضين . مما خفف عنهم صدمة الحرب .
وليس بغريب ان يصدر قرارا من الجهات المختصة في المملكة بتمديد الاقامة او الزيارة العائلية عاما اخر حتي يتمكن هؤلاء من العودة الي ديارهم في السودان بعد انتصارات الجيش السوداني وتحرير اكثر مناطق السودان كثافتة سكانية .
ونسال الله الا يمر هذا العام الا و قد تحررت دارفور وكردفان ونعم اهلها بالسلام والامان .
هذا الموقف من المملكة العربية السعودية ذكرني بحادثة كنت شاهدا عليها . ولا بد من ذكرها وتسجيلها للتاريخ .
بعد قيام الانقاذ في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ كنت رئيسا للجنة الاقتصادية وورثنا ميزانية كانت مثار جدل وتراشق بين الحزبين المؤتلفين الامة والاتحادي وانضمت اليهم قيادة الجيش بمذكرة القوات المسلحة في فبراير ١٩٨٩ و التي كانت تعتبر انقلابا عسكريا لم يكتمل .
هذا خلافا للاوضاع بالجنوب والتي تدهورت حتي وصلت حركة التمرد الي مشارف ربك مهددتا مصنع سكر كنانة.
بعد المؤتمر الاقتصادي الاول في ٣٠ اكتوبر ١٩٨٩ والذي كان ابرز اهدافه تحريك الاقتصاد السوداني وتوجيهه نحو الانتاج .
كان امامنا تحد كبيير وهو توفير العملة الاجنبية لانجاح الموسم الزراعي الشتوي الذي ينتهي حصاده في ابريل ١٩٩٠. والمطري الذي يبدا في يونيو ١٩٩٠. والشتوي الذي يبدا في سبتمبر ١٩٩٠ .
لذا كان عام ١٩٩٠ هو عام التحدي بالنسبة لنا .
ولا ننسي هنا ان المملكة العربية السعودية بقيادة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه كانت السند للسودان بتوفير المواد البترولية والقمح في العام الاول .
اذكر ان المرحوم الاخ عبد الرحيم حمدي ( وزير الماليه لاحقا ) كان يعمل في لندن مديرا لبنك البركة لندن والمملوك للشيخ صالح الكامل رحمه الله .
زارنا حمدي في الخرطوم وتحدثنا معه في تمويل الموسم الزاعي لعام ١٩٩٠ .
بعد فتره وصل الي السودان كل من الشيخ صالح الكامل والشيخ سليمان الراجحي رحمهما الله والشيخ ابراهيم الافندي وكلهم رجال اعمال سعودين مشهورين .
وقد كلفت انا باستقبالهم والجلوس معهم .
في اول لقاء قال لنا الشيخ صالح الكامل نحن هنا بتوجيه من جلالة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار في السودان و من اجل ذلك جئنا .
عرضنا عليهم عددا من المشاريع التي كانت معروضة للخصصة في قطاع الجلود والغزل و النسيج و مصنع اسمنت عطبرة ومصنع اسمنت ربك وكلها كانت مصانع حكومية متوقفة او تعاني ضعفا في الانتاج والتمويل .
وصلنا الي اتفاق بان دفعوا لنا مبلغ ١٧٠ مليون دولار يمول بها موسم ١٩٩٠ الصيفي والشتوي والمطري ووقع ثلاثتهم ووقعت انا عن حكومة السودان .
علي ان يقوموا باستراد هذه المبالغ من مشاريع يتفق علي تقيمها لاحقا .
وللتاريخ وحفظا لموقف المملكة ألذي لاينسي ولم تكسب من وراءه شيئا ان الشيخ سليمان الراجي اختار مصنع اسمنت عطبره القديم في الجزء الشرقي من مدينة الدامر وخصم مقابله مبلغ اربعين مليون دولار من تمويله الذي ساهم به في انقاذ الموسم الزراعي رغم ان تقيم لجنة الخصصه كان اقل من ذلك بكثير .
وفوجئنا بان الشيخ سليمان الراجحي شيد مصنعا جديدا غرب الدامر باسم مصنع اسمنت عطبره ولم يستفيد من القديم . وكانما تبرع هو او المملكة بذلك المبلغ لا ندري ، لاهل السودان .
وكان ذلك الموسم من انجح المواسم الزراعيه التي انقذت السودان ومنعت مجاعة كانت تروج لها جهات اجنبية .
ويشاء الله ان يدخل صدام حسين الكويت في الثاني من اغسطس ١٩٩٠ وقدر الله ان يقف السودان موقفا اعتبر مساندا لصدام وساءت العلاقات مع اغلب الدول العربية بما فيها مصر .
وقد اوردت هذه القصة بالتفصيل في حلقات سوف تنشر عن ( السودان والفرص الضائعة في هذا المنبر ) .
و رغما عن ذلك لم تتوقف المملكة العربية السعودية عن دعم السودان بشتي الطرق . وظل السودانين العاملين في المملكه يتمتعون بالرعاية وحسن المعاملة .
هذه هي المملكة يا اهل السودان منذ عهد جلالة الملك عبد العزيز الذي نحفظ له رويات وقصص مع اجدادنا من السودانين الذين عملوا معه ومنح بعضهم الجنسية السعودية ومازال احفادهم يعيشون مواطنين سعوديين مخلصين .
لا يسعنا وواحب علينا نحن اهل السودان ان نذكر المملكة العربية السعودية بكل الخير والوفاء ونخص بالشكر خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده ألامين صاحب السمو الامير محمد بن سلمان حفظهم الله جميعا .
واهدي هذه اللفتة في حق الشقيقة المملكة العربية السعودية وقيادتها لجميع اهل السودان واخص بها الشباب الذين قد لا يعرفون فضل المملكة علي اشقاءهم في السودان .