
بقلم /أيوب صديق
(خبير إعلامي ،صحافي ومذيع سابق في “B.B.C)
نُشر على نطاقٍ واسع فيديو للرئيس الفريق أول البرهان وهو يتحدثُ عن الحرب الدائرة في البلاد، وأن كلَ الشعب السوداني يقاتل فيها خلف قواته المسلحة. ومما قال في ذلك:” نُحي القوات المساندة كلها، أيضا كل الجهات التي تدعم القوات المسلحة، زي ما كثير من الوحدات التي ساندت القوات المسلحة، هي ليست تنظيمات، (لكن أحيانا البعضُ يتخذ مُسمياتٍ حتى يستطيع أن ينالَ حظه من التقدير والإشادة)”
إن كلمة البرهان كانت كلمة قوية وحاسمة، قطع فيها الطريق على كلِ ساعٍ لإيجاد مدخلٍ للهائمين على وجوههم في الخارج إلى البلاد، ليُمكنوا من الوصول إلى سدة الحكم، فيعيدوا البلاد القهقري إلى ذلك الماضي القريب الكئيب، الذي يتلظى الجميعُ بنيران حربه الآن. إنها هي الحربُ التي أنذرَ الناسَ بها ذلك الرهطُ اليساري، على رؤوس الاشهاد من شاشات التلفزيون؛ بقولهم فإما القبول بالاتفاق الإطاري وإما الحرب! وذلك انذارٌ كان في منتهى الوضوح. ولما رفضتِ الأمةُ ذلك الصنم الإطاري الذي صار مُتَعَـبدَهم، عملوا بما أنذروا الناس به فأشعلوا الحرب، التي باتوا يرمون بأشعالها الآخرين، أذ هم قومٌ لا دِينَ لهم يُحَرِم عليهم الكذب والافتراء، ولا خُلقَ لهم يُعيب عليهم ذلك.
كما قلتُ كانت كلمة البرهان واضحةً حاسمة، لم تترك منفذًا لذي وهمٍ يجعله يتخيلُ من جَعلِ المحالِ مُمكنا. بيد أنَ هناك عبارةً وردت في حديث البرهان ودِدتُ لو أنها لم ترد فيه وهي قوله: (لكن أحيانا البعضُ يتخذ مُسمياتٍ حتى يستطيع أن ينالَ حظه من التقدير والإشادة).
ويعني بقوله (البعض) أي بعضا ممن يجاهدون سندًا لجيش بلادهم الذي هو قائدُه العام. إنني لأدرُكُ ما يعنيه البرهان بقوله هذا، ولذا أقول له، إن وصفك ذلك (البعض) باتخاذه مُسمياتٍ يسعى من ورائها لنيل حظٍ من تقدير وإشادة، إنما هو انتقاصٌ بينٌ منك لما يقومون به في دعم جيشهم، إذ التقديرُ والإشادةُ أمران لا يُبحث عنهما في مكامن الموت. فالذين اتخذوا تلك المُسميات، اتخذوها توسمًا في خير رجال سُموا عليهم. وهنا على سبيل المثال تحضرني كتيبة البراء، أشهر كتائب ذلك (البعض) الذي يعنيه البرهان. وقد سُميت على ذلك الصحابي الجليل البراء بن مالك.
ولعله من الأصوب أن أذكر هنا لمحة مختصرة عن ذلك الصحابي البراء بن مالك، ومن ثَم يُدرك كثير من الناس سببَ تسمية ذلك الشباب المجاهد كتيبتهم عليه. إنه الصحابيُ الجليلُ أبو عمارة، البراءُ بنُ عازبٍ الأنصاريُ بن مالك، الذي يُعرف اختصارًا بالبراء بن مالك. وبشأن هذا الصحابي الشجاع المقدام، كتب عمرُ بنُ الخطاب إلى أمراء الجيش: (لا تستعملوا البراَء على جيشٍ فإنه مَهلكةٌ من المهالك، يُقدم بهم) أي من حرصه على الموت. وعن أنس أنه دخل على أخيه البراء، وهو يتغنى فقال: تتغنى؟ قال له: أتخشى عليَ أن أموتَ على فراشي وقد قتلتُ تسعةً وتسعينَ نفسًا من المشركين مبارزةً، سوى ما شاركتُ فيه المسلمين؟ ولهذه الصفات في ذلك الصحابي، سَمت هذه الجماعةُ المجاهدةُ من أبناء الشعب السوداني كتيبتها عليه، تيمنًا به مما يُذكي فيها روحَ الإقدام والجهاد، في غير مهابة من الموت. إنها الكتيبة التي تقاتل معك أخانا البرهان، ابتغاء إحدى الحسنيين، فأما نصرٌ مؤزرٌ يكون لهم منه نصيبٌ وافر، وإما نيلُ شهادةٍ ينالون بها رضوان ربهم سبحانه وتعالى، وليس بحثا عن تقدير أو إشادة.
آملاً أن يتخلص الأخ البرهانُ من هذا الشعور الذي ( يُتاوره) أحيانا كما نقول في لغتنا العامية أي يعاوده من وقت إلى آخر نحو ذلك (البعض) بما يُشتم منه التقليلُ من إسهامهم فيما يقومون به، وذلك لمعمر لهو الإجحافُ بعينه.
إن الجهادَ تحتَ أسماءَ يختارها المجاهدون لأنفسهم، كمثلِ اتخاذِ سلفِ في غزوات الإسلام الراياتِ والأولويةَ ليقاتلوا تحتها، في الجيش الواحد. إذ كانت جيوشُ الإسلام تتعدد فيها الرايات، التي هي ربما بمثابة التقسيمات الحالية للجيوش. وتحدثنا السيرةُ العطرة أنه في فتح مكة، عَقد رسول الله عليه الصلاة والسلام الألويةَ والراياتِ ودفعها للقبائل، فأعطى لبني سليم لواءً وراية، ولبني غفار راية، ولأسلم لواءيْن، ولبني كعب راية، ولمزينة ثلاثة ألوية، ولجهينة أربعة ألوية، ولجماعة أسلموا من بكر لواء، ولأشجع لواءين. وكلُ قوم يقاتلون تحت رايتهم، في معركة واحدة، في جيش واحد، وتحت قيادة واحدة.
وعن المُخارق، قال:( لقيتُ عَمارًا يومَ الجمل، فقلتُ: أقاتل معك فأكون معك؟ قال: قاتل تحتَ راية قومك؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحبُ للرجل أن يقاتل تحت راية فومه). فأولئك الصحابةُ يقاتلون تحت راياتِ قومهم في جيش واحد، ومجاهدونا هؤلاء يقاتلون في كتائبَ سموها تيمنًا بأسماءِ من سموها عليهم، في الجيش واحد. وقال ذلك(البعضُ) عَلانية: إننا بجهادنا لا نبتغي شيئًا غير النصر لجيشنا أو الشهادة في سبيل الله.