
بقلم/ الطيب مضوي شيقوق
“محامي – ومستشار قانوني”
الأخ الأستاذ أحمد التاي – المحترم،
سلامٌ عليك حيثما كنت، وحيثما ظلت كلماتك تمضي في دروب الوطن، تبحث عن ضوء وسط الركام.
قرأت مقالك الأخير، وقد تلبستني مشاعر الغضب والحزن والعجز. نظرتُ من خلاله إلى وطنٍ يتداعى أمام أعيننا… يتفكك إلى أشلاء بين مطرقة الحرب وسندان الوصاية الدولية. أضفتُ إلى ما كتبته أنت، ما كنت قد خططتُه لنفسي، وكلانا نحدّق في المشهد ذاته: دخان كثيف، ووجوه يلفها اليأس، وأحلام تتساقط كما تتساقط جدران المنازل.
لا كرامة تُبنى على ركام،
ولا حرية ولا ديمقراطية تُولد من فوهة بندقية.
الوطن لم يعد مجرد مساحة جغرافية، بل صار جرحًا مفتوحًا على امتداد الخريطة، وصدى وجعٍ يملأ الذاكرة.
لقد أصبتَ حين قلت إن مؤتمر لندن لم يكن محاولة لإنهاء الأزمة، بل إعادة إنتاجها في ثوبٍ أكثر خطورة. انكشفت النوايا، وظهر الانقسام العربي الحاد، لا هدف له إلا اقتسام السودان بين أجنحة المصالح: هنا مصر تدعم الجيش، وهناك الإمارات تروّج لـ”مدنية هجينة” تنطق بلسان الدعم السريع.
ورغم كل هذا، يبقى الأمل.
مقالك، أخي أحمد، كان واحدًا من تلك المشاعل التي تُنير الطريق. دعوتك الصادقة لاجتراح “الخيار الثالث” ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية. علينا أن نُوحد جبهتنا الداخلية، أن ننفض غبار التبعية، ونبني مشروعنا الوطني بأيدينا، بعيدًا عن السلاح والوصاية والأهواء.
لم يسلم حتى الذين نزحوا إلى بلاد الغربة من هذا المصير الحزين. لاحقهم الموت فيها بسبب الإحباط، وما آلت إليه حال البلاد من خلفهم. وتوالى سقوط رموز وطنية، بسبب الإحباط والتأسي على ما صارت عليه حال الوطن منذ اندلاع هذه الحرب. وظلّت المساجد في عواصم دول اللجوء أماكن للعزاءات اليومية، بعد أن كانت ديارًا لأفراحهم وملتقى للأمل.
كفى كذبًا على الوطن.
كفى رقصًا على الجراح.
كفى انتظارًا لحلولٍ لا تأتي إلا بما يزيدنا تمزقًا.
الوطن ينادي… فهل من يُلبي النداء؟
دمتَ صوتًا يليق بوطنٍ يستحق الحياة.
معزّتي وتقديري.