مقالات الرأي

لا ينصلح حال الدبلوماسيية السودانيةَ و العلاقات الخارجية بسياسة الإحلال و الإبدال في الأشخاص

فايف دبليوز سيرفس

بقلم /السفير الصادق المقلي

(دبلوماسي سوداني، سفير السودان بكندا السابق)

ا الدبلوماسية و علاقات السودان الخارجية لا يمكن إصلاحها بالاحلال و الابدال في منصب السفير… السفير محي الدين سالم الوزير الجديد و وزير الدولة السفير عمر صديق كلاهما من السفراء المهنيين الذين ولجوا باب الخارجية قبل انقلاب الإنقاذ عام ١٩٨٩، أي من خلال المنافسة القومية الحرة النزيهة و الامتحانات في جامعة الخرطوم التي تشرف عليها لجنة الاختيار للخدمة المدنية القومية. و لا يشك احد في كفاءتهم و تميزهم في محراب الدبلوماسيية لعشرات السنين.

لكن ليس الكفاءة وحدها تحيا الدبلوماسيية و ينصلح حال العلاقات الخارجية
و يبقى السؤال المشروع كيف يا تري تعمل الدبلوماسية أيا كان على رأسها في ظل الحرب و عدم الاستقرار و تعدد قنوات اتخاذ القرار و التصريحات غير المتناغمة لقيادات حكومة الأمر الواقع التي تتقاطع و اهداف و خطط الدبلوماسية السودانية.

سبق للدكتور سليمان ابو صالح أن تحدث عن تعدد قنوات صنع القرار في السياسة الخارجية حين صرح، ،،
(( إن على سحلول عندما سلمنى وزارة الخارجية خاطبني قائلا..انا سلمتك مبانى وزارة الخارجية .، أما عمل وزارة الخارجية فعليك ان تذهب وتبحث عنه فى رئاسة الجمهورية وفى المجلس الوطنى وفى مجلس الصداقة الشعبية…الخ).. )

كيف تعمل الدبلوماسية في ظل العزلة الدولية و الإقليمية.. عزلة لم يستطع اي من
الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة منذ انقلاب اكتوبر 2021 في أحداث اي اختراق لكسرها او تجسيير العلاقات حتى مع الاتحاد الإفريقي و العمل على اسداء النصح لقيادة حكومة الأمر الواقع في بورسودان ان تعمل علي مخاطبة الأسباب الرئيسة لهذه العزلة.
. بل على العكس خلال تولي جميع الوزراء لمنصب وزير الخارجيه منذ انقلاب اكتوبر 2021.. ظهرت الخارجية من خلال تصريحات وزرائها و الناطقين باسمها كأنها فرع من فروع القيادة العامة،، من حيث التحشيد و تشجيع استمرار الحرب بدلا من تفكير اي من أولئك الوزراء خارج الصندوق. بل في بعض الأحيان تاتي بيانات الخارجية أكثر تشددا و تحشيدا و تعبوية من بيانات الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة و بعض قيادات الحكومة.

لعله من المعلوم أن الدبلوماسية في أبسط تعريفاتها هي فن الممكن، وتستخدم الدبلوماسية أدواتها لإطفاء وإخماد الأزمات ونزع فتيلها،، وليس إشعال جذوتها وإبقاءها متقدة؛
حتي العلاقة مع الايقاد ظلت مجمدة بسبب تجميد السودان لعلاقاته مع هذا التجمع الإقليمي الذي كان السودان من المؤسسين له منذ الثمانيات ناهيك عن استمرار حرمان السودان من اي فعاليه ينظمها الإتحاد الافريقي مثل القمم الإفريقية او كل الفعاليات التي أقيمت بدعوة من شركاء التنمية في المعسكر الغربي ذات الطابع الاقتصادي و الاستثماري و التي حرم السودان من المشاركة فيها بسبب تجميد مشاركاته في الاتحاد الافريقي او عدم اعتراف الدول الغربية الداعية او المستضيفة لهذه الفعاليات مثل القمم التي جمعت الإتحاد الإفريقي مع كل من الإتحاد الأوروبي… فرنسا. َامريكا.. إيطاليا و اليابان و قمة الفرنكوفونية التي عقدت خلال الفترة التي اعقبت انقلاب اكتوبر 2021….
حتي الايقاد لم يستطع اي من وزراء خارجية حكومة الأمر الواقع السابقين استعادة علاقات السودان معها… فضلا عن اتخاذ سياسة المحاور بالاتجاه شرقا في ظل عدم اعتراف المعسكر الغربي بحكومة بورتسودان.. الأمر الذي تنظر اليه الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية بعين الريبة و الشك و مخاوف إزاء تغلغل دول مثل روسيا و إيران في المنطقة و ما أثير من مخاوف تجاه نوايا روسيا إقامة قاعده عسكرية على البحر الأحمر.. الأمر الذي كان متذبذبا بين الشك و اليقين من خلال تصريحات وزراء الخارجية.. كما ان كل هؤلاء الوزراء الذين تعاقبوا على تولي رأس الدبلوماسية السودانية فشلوا ايضا في أحداث اي اختراق في التوتر الذي حدث خلال الفتره الماضيه في عالاقات السودان مع بعض الدول الإفريقية مثل كينيا و دول مجاورة مثل إثيوبيا، إفريقيا الوسطى،، و ليبيا.. و تشاد. َ
كما يقال لا يستقيم الظل و العود اعوج.. فلا سبيل لأحداث اختراق في علاقاتنا الخارجية بسياسة الابدال و الاحلال في مناصب الوزراء.. طالما استدام هذا الاعوجاج في سياسة السودان الداخلية و في ظل تعول الجهاز السيادي الرئاسي على الجهاز التنفيذي و تعدد مصادر اتخاذ القرار حول السياسة الخارجية و عدم التناغم في سياسات الدولة خاصة في اي مقاربة في سبيل التسوية السلمية لهذه الحرب و من ثم استعادة مسار التحول الديمقراطي و الدولة المدنية و فك طوق العزلة الدولية.. فلا فرق بين الدبلوماسية السودانية و قيادة الجيش فيما يتعلق بالجنوح الي التهدئة بدلا من التصعيد.. على خلاف ما كان مؤملا من الدبلوماسية السودانية ان تغادر هذا المربع من الحشد و التصعيد و كأنها فرع من أدارات اركان قيادة القوات المسلحة. DEPARTURE FROM ESCALATION RHETORIC T0 APPEASEMENT ONE
. و تبقي الحقيقة… سوف لن تنصلح سياسة السودان الخارجية باحلال و ابدال الوزراء،،و إنما بأنهاء الحالة الإنقلابية و قف الحرب و من ثم استعادة مسار التحول الديمقراطي في سبيل فك طوق العزلة الدولية و الإقليمية و استعادة مكانة السودان الطبيعية بين الأمم َ..
هناك مقولة معبرة عن تداعيات السياسة الخارجية على الدبلوماسية. (( عندما تعطس السياسة الداخلية للدولة تصاب السياسة الخارجية بالز كام)) َ ولعل هذا ما عبر عنه مبارك الفاضل حين قال ،،،
(( السياسة الخارجية لأي بلد هي مرآة للوضع الداخلي للبلد ولذا لن ينجح اي وزير خارجية إلا إذا كان يمثل حكومة متصالحة مع شعبها ومع المجتمع الدولي والإقليمي ، حكومة سياساتها تحقق الاستقرار والتنمية في بلدها))
. ولعلي اتفق مع من ذهب إلى القول إن الأزمة ليست في الأفراد.. بل في غياب الرؤية…. تداول خمسة وزراء خلال اربع سنوات – لم يُكمل أيٌ منهم عاماً كاملاً سوى وزير واحد، الأمر الذي يكشف عن أزمة بنيوية عميقة، لا تتعلق بالكفاءات، بل بغياب الرؤية الاستراتيجية. فالوزارة لا تعمل ضمن خطة واضحة، ولا تملك استراتيجية طويلة المدى، وإنما تُساق وفق مصالح ظرفية، أو قرارات فوقية، أو رغبات مؤسسات نافذة، تُحكم قبضتها على مفاصل القرار الخارجي.

لقد تلاحظ منذ انقلاب اكتوبر 2021 تعدد مصادر و قنوات و صناعة القرار و إتخاذ المواقف فيما يتعلق الدبلوماسية السودانية، ،و لما يمكن تسميته بسياسة رزق اليوم باليوم. …
علي سبيل المثال، الفريق ياسر العطا ، دأب علي إطلاق تصريحات و الإعراب عن مواقف للدولة هي من صميم ولاية وزارة الخارجية.. الني لاذت بالصمت بالرغم من صدور ردود الفعل العنيفة من الثلاث دول التي عناها ياسر العطا بتصريحاته. الامر الذي أدي الي المزيد من التوتر في علاقات السودان مع هذه الدول و من بينها اثنان من دول الجوار الافريقي..
و لعل تضارب التصريحات و تعدد منابر و مراكز صناعة القرار في السياسة الخارجية بالتأكيد ستترتب عليه عواقب وخيمة و ستفاقم من العزلة الدولية و الإقليمية التي ظل يعاني منها السودان … . ففي الوقت الذي يحتم علَي الحكومة ان تنتهج سياسة التهدئة في سبيل تجسير العلاقات و تخفيف التوتر في هذه العلاقات،، نجدها تلوذ بالصمت و كل من هب و دب يتخذ مواقفا او يدلي بتصريحتات تصب في اتجاه التصعيد بدلا عن التهدئة.. Escalation raher than appeasement role.
و لعل من المفترض أن تعالج مثل هذا التغول وزارة الخارجية،، بحيث تعمل علي الحيلولة دون التضارب في الخطاب الرسمي للدولة و دون ان يلعب تعدد قنوات صناعة العلاقات الخارجية دورا عكسيا يضر بالامن القومي للبلاد.. و لا يصب في صياغ الدور الأصيل المناط الدبلوماسية السودانية.. في رتق الفتق،،، تجسير العلاقات و العمل علي تقديم النصح لصناعي القرار في الدولة في سبيل العمل علي تجسير العلاقات مع دول الجوار و اعادة تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي و الإقليمي بصفة عامة.. بدلا من البصمة على اي موقف او خطوة تصدر من صانعي القرار من الحاكمين في الدولة..

و الحال هكذا ينبغي علي السلطات ان تعمل علي الحيلولة دون التضارب فَي الخطاب الرسمي للدولة و أن تحصر المواقف و التصريحات في مجال العلاقات الخارجية للناطق الرسمي لوزارة الخارجية… فهي المناطة بها التعبير عن مواقف الدولة في كل ما له صلة او شان بالدبلوماسية السودانية.. و الحفاظ علي سياسة حسن الجوار.. و معالجة اي شكوي تتعلق بتذخل اي دولة في الشؤون الداخليه للسودان عبر القنوات الدولية و الإقليمية ذات الاختصاص..
و لعل تغول مجلس السيادة علي صلاحيات الجهاز التنفيذي و الذي تمت شرعنته بالتعديلات في الوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩ و التى كانت من وحي دستور ٢٠٠٥ الانتقالي الذي كرس للنظام الرئاسي.. هو الذي سيكون اهم التحديات ليس فقط امام وزير الخارجية الجديد و انما امام الجهاز التنفيذي برمته.
..

في اعتقادي ان اي جهد دبلوماسي خارجي يجب أن يستصحب الوضع الراهن في السودان.
لان التركيز في مثل هذه الزيارات على العلاقات الثنائية في ظل استمرار الحرب هو حرث في البحر لا طائل وراءه. اذ لا تعزيز علاقات ثنائية و إعادة اعمار دون توفير مناخ معافي لتحقيق ذلك و ذلك بوقف إطلاق و إحلال السلام و من ثم تطبيع علاقاتنا مع المجتمع الدولي و الإقليمي و مع شركاء التنمية ان لاستقطاب الدعم لاعادة الأعمار و عودة النازحين و اللاجئين و تعافي الاقتصاد السوداني باستعادة مكانة السودان ضمن المنظومة المالية الدولية متعددة الأطراف.. و التمهيد لاستعادة مسار النظام الدستوري و التحول الديمقراطي.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى