مقالات الرأي

لون المنقا الشايل المانقا.. وما عارف كيف نحن بنشقى

5Ws-service

بقلم/  عزمي علي بلة
(كاتب سوداني وروائي وقاص مقيم بالإمارات)
صادفني قبل أيام قلائل في إحدى قروبات الواتساب فيديو يصور تساقط ثمار المنقا على أحد الأسواق في مدينة قيسان بولاية النيل الأزرق. وكان السوق أصلا وهو سوق أواني على ما أذكر يستظل بأشجار المنقا البلدية العملاقة وعندما هبت عاصفة تساقط الكثير من ثمار المنقا الناضجة على مرتادي السوق، لحد هنا وانتهى الفيديو وكان ناشره يعلق على خيرات السودان.
طبعا الفيديو كان بالنسبة لي صدمة كبيرة ويعبر عن خيبة أمل ما بعدها خيبة، ولم أتلقاه باعتباره يعبر عن خيرات السودان بقدر ما يمثل خيبات السودان. هل تصدق أن المنقا تعتبر من الفواكة الغالية حول العالم حيث يصل الكيلوجرام منها إلى 6 دولارات في المتوسط للأصناف الأفريقية. يعني قطعة المنقا الواحدة تساوي حوالي 3 دولارات. يعني لو كنا نخطط جيدا لما تركنا هذه الأشجار تمطر منقا بهذه الطريقة المخيبة للآمال، بل كان بالإمكان أن نوظف كل مقدراتنا اللوجستية ونوصل هذا الإنتاج المميز والغزير لكل الأسواق الأوروبية والعربية ونحصد ملايين الدولارات من وراءها.
في كل صباح يسيطر على تفكيري هاجس بأننا نتصرف بطريقة غير طبيعية كأنما هناك ما يكبلنا ويجعلنا غير قادرين على فعل الصواب.
يعني المزارع عمل ما يجب عليه وأنتج المنقا بمواصفات فوق العالمية في أبو جبيهة وسنجة وقيسان وشندي ودنقلا وكريمة، ولم نتمكن من دعمه في تسويق منتجاته لا في السوق المحلي ولا السوق العالمي، ما هذا يا قوم؟!!
السؤال المهم الآن، كيف يمكن أن نوقف هذا التدهور؟
لو أنك دخلت أي مول في دول الخليج العربي ستجد عشرات الأصناف من المنقا معروضة بعضها جاء من آخر الدنيا لكنك لن تجد من بينها منقا سودانية، مع العلم إذا تمكنا من توصيلها للأسواق لما أستطاع أي نوع أن ينافسها لكن ماذا نقول؟ والمهم في الموضوع يجب استبعاد نظرية المؤامرة التي تسيطر على تفكيرنا! ولا أحد يعمل ضدنا غير أننا نعادي أنفسنا. هذا سوق والسوق تحكمه آليات محددة إن فهمناها وعملنا عليها سنفوز.
نحتاج حسب اعتقادي لحزمة من الإجراءات كما يلي:
1- نحتاج لعمل داخل البستان يتعلق بتقنيات قطف الثمار حيث لا ندع الثمار تنضج إلى درجة محددة تصعب عمليات نقلها لمسافات طويلة. كما يجب الحفاظ عليها وعدم ارتطامها بالأرض أثناء عملية القطف لان هذا يتلف خلايا الجزء الذي يرتطم بالأرض ويتعفن لمجرد تعريضها للتبريد، وقد يكون غير ظاهر خلال القطف لكن الشركة التي تشتريها ستعرف ذلك لاحقا وستجد أن نسبة التالف من المنقا السودانية عالية وعليه ستتجنب الشراء منا في المرات القادمة وهذا سيوقف فرصنا على الأمد الطويل.
2- نحتاج أن نغير عملية التعبئة والتغليف، فالشحن بالكراتين الكبيرة يساهم في إتلاف الثمار، فالأفضل التعبئة بكراتين مسطحة لا تزيد عن 12 حبة في الكرتونة الواحدة وضمان ألا توجد قطعة فوق الأخرى. كما نحتاج أن نمارس ما يفعله كل العالم برش المنتجات بمواد حافظة.
3- نحتاج لمؤسسة مركزية حكومية أو تعاونية تهتم بمصالح صغار المزارعين وتنظم عمليات التصدير وفقا لنظرية العرض والطلب وتحدد معايير الجودة الواجب إتباعها وآليات الفرز والتصنيف الذي يحقق السمعة الطيبة لمنتجاتنا. كما تعمل على إدارة العمليات اللوجستية بكفاءة سواء التي تتعلق بتجميع المنتجات من البساتين وتصديرها للدول المعنية، أو تلك العمليات التي ترتبط بتوزيع منتجاتنا داخل بلد المستورد بالطريقة المباشرة أو عن طريق تشبيك علاقات مع شركات توزيع في البلدان المعنية لكون تجارة الفواكه والخضر تتأثر كثيرا برشاقة سلاسل الإمداد.
4- اعتماد مطارات منتقاة داخل السودان وتحديد جداول الشحن الجوي لتجنب ترحيل المنتجات لمسافات طويلة. يعني مطار نيالا ومروي وكسلا والدمازين وكادقلي يمكن أن تسهم في تصدير كميات تجارية من المنقا والبرتقال والبصل وغيرها من المنتجات فالفكرة أن تصدر كل ما يمكن تصديره لتفعل التوازن المطلوب في الميزان التجاري. يعني حتى الجرجير والشمار الأخضر كل شيء طالما أن هناك طائرة تنقل منتجاتنا لسوق معين وباتفاق مسبق مع موزعين محليين في تلك البلد. وإيد على إيد تجدع بعيد.
5- نحتاج لمؤسسات إشرافية تقف على عمليات التجارة المحلية يعني حتى بعد أن نفرز الصادر لا نترك الكميات الموجهة للسوق المحلي عرضة لمزاج السماسرة والمتحكمين في الأسواق الذين يفرضون على المزارع البيع بأقل الأسعار أو يتعرض للخسائر بتلف منتجاته.
6- دعم التوجه الصناعي لتحويل كميات من المنتجات لصناعة العصائر الطبيعية للاستهلاك المحلي وللتصدير كعلامات تجارية مميزة وفي هذا يمكن الاستعانة بشركات عالمية ذات خبرة حتى نتمكن من خلالها الدخول للسوق العالمي بمواصفات مميزة.
7- أخيرا وحتى لا نفقد الكميات الكبيرة في مواسم الحصاد وبعد تلبية سوق الصادر والسوق المحلي والسوق الصناعي، يمكننا أن نجفف الفائض من الفواكه التي يمكن تجفيفها سواء كان ذلك بالتجفيف الحراري أو التجفيف بالتجميد وسحب الماء من الفواكه وهذا سوق عالمي رائج يمكن أن نبيع الفواكه المجففة في غير موسمها وتجنب خسارتها عندما يكون السوق العالمي والمحلي مشبعا بالإنتاج خلال الموسم.
أو يمكن الاستثمار في سلاسل التبريد وتحويل الفائض الموسمي بعمليات بسيطة إلى لب المنقا المجمد الذي يستخدم عالميا في صناعة العصائر الطازجة والآيسكريم.
يعني يا جماعة خلونا نركز مع منتجاتنا ونشوف ماذا يمكن فعله لمصلحة البلد.
ستسألنا الأجيال القادمة عن سوء تدبيرنا..

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى