
بقلم/أحمد يوسف التاي
(1)
تم استدعائي ذات مرة إلى رئاسة جهاز الأمن بالخرطوم ضمن المرات الكثيرة التي صرتُ بها ضيفاً ثقيلاً على الجهاز، لكثرة استدعاءاته لي أيام إدارتي لتحرير صحيفة الشارع السياسي مطلع الألفية الثالثة، وايضاً إبان رئاستي تحرير صحيفة الصيحة، وكذا الإنتباهة، وفي كل مرة يتم إيقافي عن الكتابة لفترات متفاوته ،حتى أن أحد الضباط خاطبني ساخراً : يا أخي أنت بدل كل يومين جايبنك هنا ماتجي مرة واحدة نديك شقة تسكن معانا هنا)!! .. في ذلك اليوم وفي نهاية التحري ، وجه لي الضابط المسؤول سؤالاً : ليه أنت من دون رؤساء التحرير كل مرة نستدعيك ونأخذ من زمنك؟..قلتُ أنتم أدرى بالإجابة عن السؤال..
قال: ياخ انت والله زول كويس ونحنا عارفنك ماتابع لأي جهة سياسية بس عند جِنْ أسمو الحكومة فاسدة ..فساد فساد …فساد طوالي ياخ ..وهذا يعني إثارة الكراهية ضد الدولة وتعبئة الشارع ضد الحكومة وهذه مواد يعاقب عليها القانون الجنائي بالإعدام والسجن..الخ…
وانت بالتعميم هذا تشير إلى أن كل الحكومة فاسدة..
(2)
تظل الحكومة السابقة واللاحقة والقادمة عندي فاسدة إذا تناهى إلى علمي يقيناً أن مسؤولاً رفيعاً فيها يمارس المحسوبية في ابشع صورها وهو يقوم بتعيين أبنائه واقاربه بصورة غير مستوفية شروط التوظيف ومعايير الاختيار، ومع ذلك يُسأل علناً من خلال الإعلام فيلوذ بالصمت المخجل ولايرد على الاتهامات المُثارة في مواجهته رغم خطورتها..ولايقوم بفتح بلاغ في مواجهة الجهة التي وجهت له الاتهام (والحكومة ايضا ساكتة كان الامر لايعنيها)…
فماذا يعني هذا الصمت في مواجهة اتهامات خطيرة كهذه؟..
(3)
تظل الحكومة السابقة واللاحقة والقادمة عندي فاسدة إذا تناهى إلى علمي يقيناً، أن الصحافة أثارت أخطر قضية واعظم تهمة في مواجهة مسؤول رفيع حينما اتهمته بتصدير الذهب لدولة الإمارات رغم علمنا ما بينها والسودان من قطيعة وخصومات وعداء..فلا الحكومة غضبت من الاتهام ولا نفته وبرأت ساحة مسؤولها الرفيع منه ولاهي فتحت دعوة قضائية في مواجهة الصحافة ولا انتفضت لكرامتهت (هل قلتُ كرانتها؟) بل صمتت صمت القبور واكثرت من ذلك الصمت المخجل..
فماذا يعني هذا الصمت في مواجهة اتهام خطير كهذا..؟..
(4)
تظل الحكومة السابقة واللاحقة والقادمة عندي فاسدة عندما أعلم يقيناً، ان الصحافة كتبت عن مسؤولين بالحواتة والدندر واجهوا اتهامات بالتلاعب في مواد الإغاثة وقد وُجهت لهم النيابة اتهامات بمواد (خيانة الأمانة واستلام مال مسروق والتستر على الجاني والاشتراك الجنائي)، ومع ذلك الحكومة سواء أكانت ممثلة في البرهان أو ولاة ولايتي القضارف وسنار او المدير التنفيذي لمحلية الدندر او المدير التنفيذي لمحلية الرهد ، التزمت الصمت ولم تنبس ببنت شفة..فالوقائع منشورة بالصحف فلم تتم تبرئة المتهمين بواسطة محكمة ولم يتم استدعائهم بناية جرائم الاعتداء على المال العام بناء على قرار رئيس النيابات بالقضارف صديق احمد النور ، ولم يتم فتح بلاغ في مواجهة الصحافة ولا حتى من باب حفظ ماء الوجه (هو في ماء؟ ولا كهربة)..فماذا يعني هذا الصمت الحكومي في مواجهة اتهام خطير كهذا..؟..
والأمثلة كثيرة ولنا تجارب طويلة مع هذا النوع من الفساد.. وفي كل مرة الحكومة تلتزم الصمت على كل مستوياتها الاتحادية والولائية والمحلية على نحو رسخ عندنا مقولة ان الحكومة فاسدة وإلا لما التزمت الصمت إزاء اخطر التهامات التي تتعلق بالامانة والنزاهة والشرف والاستقامة..
(5)
عندما تصمت الحكومة إزاء اتهامات خطيرة تطال مسؤوليها وموظفيها ، وتضرب (طناش)، و”تعمل فيها رايحة” هذا يعني واحد من إثنين : فإما أنها عاجزة عن محاسبة منسوبيها او غير راغبة في محاسبتهم…والعجز عن المحاسبة يجسده عندي المثل الدارفوري :(دبيب في خشمو جراداية ولا بِعَضِّي)…وعدم الرغبة في المحاسبة برأي ايضاً حالة نفسية ناتجة عن الفساد…
ففي الحالين يعني ان الحكومة العاجزة او غير الراغبة في محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمتجاوزين هي حكومة فاسدة وليست جديرة بالاحترام..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.