
تحليل/ أحمد يوسف التاي
(1)
عندما بدأ الصراع الدولي على ارض السودان حامياً منذ ثمانينات القرن الماضي ولايزال، أخذ العرب مقاعد المتفرجين على السودان خاصة في فترة التسعينات وحتى فترة التغيير التي حدثت بالسودان في 11أبريل 2019 بعد سقوط نظام البشير..
بعد ثورة ديسمبر الشعبية التي أطاحت حكم الإسلاميين ظهر لاعبون عرب في ساحة الصراع الدولي في ارض السودان كان أبرزهم على الإطلاق وأقواهم تأثيراً دولة الإمارات، بينما يظهر المصريون والسعوديون حيناً ويختفون أحياناً كثيرة…في كل تلك الفترة لم يظهر التنازع العربي على الملف السوداني إلى العلن مثلما حدث قُبيْل وأثناء وبُعيْد مؤتمر لندن الذي انعقد أمس الاول بالعاصمة البريطانية لندن دون مشاركة أي اطراف سودانية..
(2)
مؤتمر لندن لم يُظهر عجز المجتمع الدولي عن تقديم حلول مقبولة للأزمة السودانية وحسب، بل عمق الأزمة بشكل أكثر من ذي قبل وبدا ذلك جلياً في النقاط التالية:
( أ ) أظهر المؤتمر حدة الصراع العربي – العربي بشأن حل الأزمة والتنازع حول الملف السوداني وتوظيفه على نحو يخدم مصالح المتصارعين وينسجم مع رغباتهم ، كما ان المؤتمر أخرج الخلافات العربية المكتومة حول السودان إلى دائرة العلن بعد إذ كانت مواربة خلف التحركات الدبلومسية.
(ب) وسّع المؤتمر أزمة إنعدام الثقة بين المجتمع الدولي والسلطات في الخرطوم ، فإذا كانت الخرطوم تنظر إلى مؤتمر لندن منذ ان كان “فكرة” بعين الشك والريبة فإن عزلها من حضور المؤتمر ومساواة الجيش السوداني بالمتمردين ، قد زاد الفتق على الراتق وادى إلى إتساع دائرة الشكوك لدى الخرطوم وهو أمر يضفي صعوبات اكثر امام الحلول.
(ج) أظهر المؤتمر ضعفاً وعجزاً لدى المجتمع الدولي على نحو جعله عاجزاً عن تجاوز الخلافات العربية في المؤتمر خاصة وانها خلافات تتعلق ب(من يحكم السودان) ولاعلاقة لها بجوهر القضية، ولاسيما أن قضية الحكم شأن يخص السودايين..
(د ) المؤتمر أظهر وصاية عربية مبكرة على السودان ، هذه الوصاية من شانها تعميق الأزمة وتعقيدها اكثر.
(هـ) اظهر المؤتمر ان الساحة منذ الآن مهيأة تماما لسياسة المحاور وسباق المصالح الدولية رغم ان الجميع يتحدثون عن عدم التدخل في الشأن السوداني ولكنهم يفعلون..!!!.
(3)
بدا مما تردد من تسريبات أن مصر التي تقف في خندق الجيش السوداني تريد ان تضع ملف الحكم في الفترة الانتقالية، (تطول أو تقصر) بيد الجيش ، بينما تريد الإمارات التي تقف خلف قوات الدعم السريع وتمده بالعتاد أن تكون هناك حكومة مدنية لا وجود للجيش فيها.. او هكذا رشحت التسريبات من داخل مؤتمر لندن.
مصر تقتضي مصالحها تحكم الجيش في السياسة، وتقتضي مصالح الإمارات تحكم الدعم السريع في المسرح من خلال بعض القوى المدنية ذات الهشاشية والتي يسهل اختراقها والتأثير عليها.
(4)
إذا كان ذلك هو ما تريده الأطراف الدولية الإقليمية..فما الذي يريده السودانيون؟..
حسناً…مصالح الشعب السوداني تقتضي استقراراً سياسياً وتحولاً ديمقراطياً وحكماً مدنياً رشيداً، لكن ليس على الشاكلة التي تدعو إليها الأمارات وتتبناها بلسان الدعم السريع.. لقد أدرك السودانيون (مدنية الإمارات) في “مانديت” الدعم السريع ومفهومه للديمقراطية والمدنية إذا بدا واضحاً ان الديمقراطية والمدنية عند الدعم السريع تعني إفقار المواطن ونهب ممتلكاته، وإرغامه على ترك منزله وعدم أخذ شيئاً منه..ومحاربة طواحين الهواء التي تسمى دولة 56..
(5)
نفور الشعب السوداني من مدنية الإمارات والدعم السريع لاتجعل خيارهم الوحيد هو الحكم العسكري على النحو الذي تريده مصر ، ولكن تدفعهم لاجتراح الخيار الثالث وهو توحيد الجبهة الداخلية اولاً والقضاء على الخلافات السياسية والتوافق على برنامج وطني بثوابت وطنية تعلو هامات الجميع حينها سيجد السودانيون انفسهم تلقائيا أمام الخيار الصحيح الذي سبقت الإشارة اليه وهو التحول الديمقراطي والحكم المدني الرشيد والتفرغ لبناء دولة المؤسسات في بلد مستقر أمنياً، وإلا لما كانت هناك فرصة لبلوغ هذا الهدف في ظل الحروب والتوترات الأمنية.