مقالات الرأي

مبادرة شيخ كدباس

5Ws-service

 

 

بقلم لواء ركن (م) د. يونس محمود محمد

(رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة الأسبق)

 

أعلن الشيخ محمد الحاج الجعلي عن مبادرة جديدة بغرض افشاء السلام واطعام الطعام عمادها الآتي

. التأكيد على أن القوات المسلحة وحدها المخولة بحمل السلاح .

. وقف اطلاق النار لمدة اسبوعين قابلة للتجديد .

. منع التسلح للطرفين ومراقبة المنع بالأقمار الاصطناعية من جهة محايدة .

. فتح ممرات لتقديم العون الغذائي بواسطة جهة محايدة .

. عقد مؤتمر لكل الفرقاء السياسيين بدون اقصاء في كدباس .

لعل هذه عماد المبادرة ومخها ، وللتعليق عليها يلزم المرء أن يؤكد أن سجادة كدباس كانت أول الرافضين لمبادرة التيار الإسلامي العريض برغم وجاهتها أوانئذ لجمع لُحمة أهل القبلة في وجه التيار اليساري الجارف المنحدر من أعالي الغرب لهدم صروح ( *الإسلام* ) بشواهد لا تخطؤها عين ، وبينات لا ينكرها الا مكابر ، فظلت ثغرة كدباس خالية في ذلك البناء المرصوص .

الناظر في بنود المبادرة لولا رسمها المؤكد لهويتها وحقيقة أنها من شيخ كدباس ، يأخذه الشك ، وتنتابه الريب والمظآن أن أحدا ما سرق توقيع الشيخ أو استنسخ خاتمه ، أو اعتمد الذكاء الاصطناعي في تخييل صورة الشيخ وهو جالس بين حوارييه ، ووكيله يتلو بنود هذه ( *الكارثة* ) .

نعم كارثة سواء بعلم أو غفلة ، والله أعلم بالنوايا ولكنها تخرج في ذات زي قحط في وضعها الجنجويد مكافئة للقوات المسلحة وشمولها بالمبادرة كما لو أنها في حـِل من الدماء المسفوكة عمدًا مع سبق الاصرار بل وماتزال التعبئة مستمرة لاجتياح بقية السودان من جديد خاصة الشمال حيث مثوى خلوات كدباس ووقتها لن تكون بمنجاة من حوافر ( حمير الدعامة ) عوضًا عن خيول التتار .

أما الغريب في المبادرة هو التوقيت لأنها جاءت في ذروة عمليات كردفان وبشارات النصر تلوح كبروق الوعد من تلقاء ( *القِبلي* ) ودماء الشهداء تبذل بسخاء وأفئدة أهل السودان تهوي الى تلك المدائن والسهول ، فمن هو صاحب المصلحة في وقف الزحف ، وفرملة عجل التدفق ، ومعوق الوصول للفاشر !!

أما الغريب المريب فيها فهو منع التسليح للطرفين ومراقبة ذلك المنع بواسطة جهات محايدة تملك أقمارا اصطناعية ، وهنا يأتي التهويم والإغراق وربما ( الشطح ) في التداعي الصوفي والخروج من الطبيعية ، فمن هي هذه ( الجهة ) التي تراقب منع تسليح الجيش ، وابطال تعاقداته ، ومنع نقلياته من الاقتراب من السواحل والمطارات وبالضرورة توجد نصوص عقابية جراء المخالفات ، وهل الجنجويد أصحاب أنساق واضحة يمكن مراقبتها أم أن دولا ومنظمات تقوم بذلك إنابة عنهم في توفير السلاح والمرتزقة ، وهذه الجهة المحايدة من هي ؟ دولة أم منظمة اقليمية أم منظمة دولية ، وأيهم موفور الثقة حتى يسلمه السودان أمره ، وتأتي الحكومة لكدباس تنتظر صرخة ميلاد السلام من داخل الخباء ؟

وهل يعتقد الشيخ أن أمرًا كهذا يمكن أن يتنفس الحياة في بيئة مليئة بالتعقيدات ، ووطن محاط بالعداوات ، وحروب بالوكالة ، وتحديات وجودية لا يحلها الا فقه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي ترك ميراثا ثمينا من التطبيقات العملية لقضايا الحرب والسلام في حياة المسلمين عندما تكون على حواف الانهيار ، حيث حض الناس على الجهاد والإنفاق في سبيل الله ، وحض السلطان ناصر قلاوون على القتال لصد عدوان التتار عن دمشق عام ٧٠٢ هجرية ، ومافعله الجنجويد بأهل السودان أنكى وأشد مما فعله التتار ببغداد والشام وأهلها ،ولذلك كان المأمول هو تحشيد طلاب الخلوات البالغين ودفعهم للاستنفار واسناد الجيش ، وحض الحواريين على الانفاق في سبيل الله ، وزيارة القوات المسلحة في مواقعها ومخاطبة متحركاتها ، لا صب الماء على نار الحماسة ، والتشكيك في حتمية النصر بالبحث عن المسالمة والمداهنة بهذا الشكل الذي لايشبه بطولات القوات المسلحة ، ولُحمة شعبها معها .

أما الأكثر غرابة من كل ذلك هو تقديم المبادرة والعمل على انفاذها بالدعوة المباشرة للتلاقي في كدباس ، وترتيب عقد المؤتمر ، وبالضرورة تجهيز قوائم المدعوين عسى أن يكون منهم من يمثل السلطة الشرعية التي ضاعت في هذه الدربكة .

نعم ليس من وطن يدار بهذه الكيفية وتقديم المبادرات بل هناك قروبات تعمل الآن لاعداد دستور للبلاد وتختصم في تسمية المواد ، وهناك جماعات لإعمار السودان تتحدث عن إعادة البناء والتخطيط ، وكأن البلد بلا سلطة ، أو السلطة بلا مسئولية ، لدرجة اقتراح بأن يسلم الجيش أمره العملياتي لخواطر أحدهم تماما مثل ما كان من أمر رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال أحدهم أنه أمره بعقد تفاوض بين الجيش والدعم السريع .

فقام عليه الناس قومة واحدة فزجروه .

فيا حضرة الشيخ محمد الجعلي في كدباس ، هذه المبادرة جاءت عفوا وعفى عليها وفاتها التوفيق ، توقيتها ينسف كل مراحل اعداد حملة تطهير كردفان وفك الحصار عن الفاشر .

وكيفها يفتح نوافذ التدخلات بذات نهج سيئ الذكر حمدوك .

ومعيارها خاسر في تسوية الجيش بالجنجويد أن يخاطبوا في ذات السطر بذات اللفظ .

دعوتها مريبة أن تجرد الجيش من حق التسلح لمواجهة عدو يتمدد في كل فضاء الجوار الافريقي بمطاراته وموانيه البرية .

أدواتها مريبة بدعوة جهات لتراقب حسن سير وسلوك جيش يذود عن تراب وطنه وأعراض أهله .

منتهاها دعائي بجعل كدباس عاصمة إدارية تضرب لها أكباد السيارات لحضور مؤتمر لكل أطياف السودان السياسية للتراضي الوطني ومايزال نقع المعارك عالقا في الأفق الغربي الدامي ، وما يزال جرح الجنجويد يلسع بالمرارة والوجع ويسهد ليل أهل السودان الطويل ، يتوقون للقصاص منهم ورد غوائلهم لا مكافأتهم واعادة تدويرهم وفرضهم في المشهد السياسي .

يا شيخ هداكم الله

فإن وقت المبادرات قد انتهى ، وقضى الأمر الذي فيه تستفتيان ، ولم يسجل لك تاريخ المبادات واحدة منذ نذر الحرب الأولى ، ورفضكم مبادرة التيار الوطني العريض فلا أقل من التزام فضيلة ( الصمت والتأمل ) والدعاء والتضرع لله بالنصر وسداد الرمي وثبات الأقدام .

لأن ما تفعله القوات المسلحة والقوات المشتركة ومن بالمعية معهما لهو عين العقل لا معقولية بعده .

وهو أُس الصواب فلا صحيح يعدله .

وهو جهاد الدفع المفروض فلا عبادة أحجى منه ولا أفضل .

أما المبادرة فإن لها متسعا في أدراج البرهان الجانبية

وبالتأكيد لا ينعقد لها ( حبل ) دون موافقة الولي .

 

يا جيش أرموا قدام

سدد الله رميكم

وأجزل ثوابكم .

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى