
بقلم/ سمير سيد عثمان
في خضم الأزمات الاقتصادية التي يشهدها السودان ،، تألقت السيدة محاسن علي يعقوب كإحدى الشخصيات المهنية الاستثنائية في حكومة الأمل ،، واضعةً بصمتها بثقة واقتدار على خارطة الإصلاح الصناعي ..
لم تكن محاسن خيارًا تقليديًا أو مجاملة سياسية ،، بل جاءت بخبرة عميقة ورؤية منهجية نابعة من عملها الطويل في مجالات التصنيع والتجارة ،، لتعيد تعريف القيادة بميزان الأداء لا الشعارات ..
هذا في سياق الحديث عن الكفاءة المهنية والاختيار المبني على الخبرة تجيء إعادة تعيين الاستاذه محاسن علي يعقوب وزيرة للصناعة والتجارة ضمن حكومة الأمل كخطوة تستند إلى معيار دقيق هو الجدارة ،، فقد جاءت من قلب القطاع ،، وتدرّجت فيه من مدخل الخدمة حتى وصلت إلى منصب وكيل الوزارة ،، ثم تحمّلت مسؤولية الوزارة كوزيرة بالتكليف ..
هذا التدرج العملي مكّنها من الإلمام بتفاصيل التحديات والفرص ،، فجاء أداؤها مستقراً ،، وبرزت خلال فترتها السابقة بإنجازات واقعية ومشروعات طموحة هدفت إلى إحياء الصناعة الوطنية ،، مع تركيز خاص على الصناعة التحويلية كمجال حيوي يضيف قيمة اقتصادية ويولّد فرص عمل ..
لقد أثبتت الاستاذة محاسن أن اختيار أبناء المهنة للقيادة يصنع الفرق ،، ويمنح القرارات بعدًا عمليًا يستند إلى الفهم من واقع العمل ..
فمحاسن تمثل نموذجًا للوزير المهني الذي جاء من رحم التخصص ،، تحمل معها فهمًا دقيقًا لتحديات القطاع الصناعي ،، ومعرفة متجذّرة بكيفية تحريك عجلة الإنتاج وسط بيئة اقتصادية هشة ..
وقد تميزت فترة إدارتها بقدرتها على التحول من التخطيط إلى الإنجاز ..
من أبرز إنجازاتها كان ربط الصناعات الصغيرة بسلاسل القيمة المضافة ،، وهو مسار استراتيجي مكن عدداً من المنتجين المحليين من تطوير منتجاتهم والولوج إلى أسواق جديدة داخلية وخارجية ..
تلك المبادرة لم تعزز فرص التوسع فحسب ،، بل دعمت كذلك استدامة تلك المشاريع لتصبح أكثر مقاومة للتقلبات الاقتصادية ..
كما لعبت دورًا حيويًا في تسهيل التمويل الصناعي عبر شراكات واقعية مع المصارف والمؤسسات المالية ..
ومن خلال ذلك ،، تم تمويل وتأهيل ورش ومصانع كانت قد توقفت ،، أو تعمل بأقل من طاقتها ،، مما أنعش سوق العمل وساهم في تحسين دورة الإنتاج ..
وفي توجه استباقي ،، أولت محاسن اهتمامًا خاصًا بتمكين المرأة المنتجة ،، ليس بوصفها شعارًا عاطفيًا بل كمنهج إنتاجي متكامل ..
وقد أطلقت حزمة من البرامج التي منحت النساء أدوات إنتاج حقيقية ،، ومهارات تشغيل ،، وسهّلت لهن الوصول إلى أسواق البيع والدعم الفني ..
وفي إطار مواجهة البطالة ،، أطلقت الوزيرة برامج تدريب وتأهيل للشباب والخريجين لدمجهم في سلاسل الإنتاج الصناعي ،، بدلاً من الاعتماد فقط على القطاع الحكومي كوجهة للتوظيف ..
وهي بذلك كانت تخطط لتحويل الفائض البشري إلى قوة إنتاجية مضافة ..
أيضًا قادت جهودًا مؤسسية لتأسيس مجلس أعلى للصناعة الوطنية ،، خطوة إستراتيجية كان هدفها توحيد الرؤى بين القطاعين العام والخاص ،، وتحديد أولويات واضحة للصناعة السودانية ،، بعيدة عن التشظي الإداري وضعف التنسيق ..
ورغم النجاحات ،، تدرك الوزيرة أن المستقبل الصناعي للسودان يواجه تحديات ضخمة ،، ضعف البنية التحتية ،، انقطاع سلاسل الإمداد ،، نقص التمويل ،، غياب خارطة صناعية حديثة ،، وتراجع ثقة المستثمرين ..
لذا فإن المرحلة القادمة تتطلب مواصلة السير على ذات الخطى المهنية ،، بإصلاحات جريئة تركز على إعادة بناء المدن الصناعية ،، توطين التكنولوجيا ،، تشجيع التصنيع الزراعي ،، وتنمية الصناعات التحويلية ..
باختصار أثبتت الاستاذة محاسن علي يعقوب أن القيادة في قطاع الصناعة لا تحتاج إلى ضجيج ،، بل إلى مهنية متجردة ،، وعقل منظم ،، ويد تبني ..
وتجديد الثقة بها اليوم ليس مجاملة ،، بل اعتراف مستحق بمنهج عمل شفاف وجاد ،، يليق بطموحات الشعب السوداني في غد صناعي أكثر إشراقًا ..
ختامًا ،، فإن بقاء الأستاذة محاسن علي يعقوب ،، على رأس وزارة الصناعة والتجارة لا يُعد مجرد قرار إداري ضمن تشكيلات حكومة الأمل ،، بل هو رهان واعٍ على الكفاءة والخبرة والنزاهة في وقت تتعطش فيه مؤسسات الدولة لقيادات تنتج أكثر مما تتحدث ،، وتبني بصمت بدلاً من أن تلوّح بالشعارات ..
إن محاسن أثبتت خلال تجربتها أنها أقرب إلى واقع المواطن من خلال فهمها العميق لحاجة الاقتصاد إلى استقرار إنتاجي حقيقي ،، فخططها لم تكن أوراقًا محفوظة في الادراج ،، بل خطوات مدروسة انعكست على الأرض من خلال تنشيط الورش ،، وخلق فرص العمل ،، وربط التمويل بالإنتاج ،، ودفع المرأة من حافة الهامش إلى قلب الحراك الاقتصادي ..
وحين نعود إلى عنوان المقال “محاسن علي يعقوب .. إصلاح صناعي بلا ضجيج في زمن التحديات” ،، ندرك أنه خلاصة صادقة لتجربة وزيرة جعلت من الفعل الهادئ أداةً للإصلاح ،، ومن التخطيط العملي سبيلًا لتحقيق نتائج ملموسة ..
فمحاسن لم تركن إلى الشعارات ،، بل قدّمت نموذجًا نادرًا في الإدارة الرشيدة ،، أثبت أن التحوّلات الكبرى لا تحتاج إلى ضجيج ،، بل إلى صدق العزيمة وهدوء الحرفية ..
واستمرارها اليوم على رأس هذا القطاع الحساس ليس فقط تأكيدًا للثقة ،، بل فرصة ثمينة لصياغة مرحلة صناعية جديدة ،، أكثر توازنًا ،، تقود فيها الصناعة قاطرة الاقتصاد ،، تحت قيادة تؤمن أن التغيير الحقيقي يبدأ من عمق الواقع ..



