
بقلم/ عبد الرحيم البدري
– تمهيد .
و مع الكاتب والروائى الاستاذ عزمى على بلة نتداخل ليس للتعليق ولكن لنحكى عن محمية الدندر القومية الماضى الجميل والحاضر المعتل والمستقبل المجهول .
اولا – الأهمية التاريخية للمحمية.
تعتبر المحمية ثروة قومية و احد المصادر المهمة فى تعزيز الناتج القومى الاجمالى للسودان (GND) ودعم حصيلة النقد الاجنبى بما يضخه السواح الأجانب من العملات الصعبة .
٢ – صنفت المحمية إحصائيا ضمن عشرة دول فى العالم من ناحية المحيط الحيوى لما تذخر به من سلالات نادرة جدا من الحيوانات والطيور والزواحف والثديات والاسماك.
٣ – تعد المحمية من أقدم و اكبر المحميات الطبيعية فى افريقيا حيث تبلغ مساحتها اكثر من عشرة آلاف كيلو مترامربعا وتم الإعلان عن تاسيسها كمحمية قومية عام ١٩٣٥م بناء على المراسيم التى صدرت بموجب اتفاقية لندن عام ١٩٣٣م لتاسيس المحميات البرية فى افريقيا .
٤ – برغم تزامنها مع عدد من المحميات البرية فى الهند وبعض الدول الافريقية الا ان التنوع و التفرد البيئ و الاحيائى اتاح لها مركزا استثنائيا ومزية تفاضلية على رصيفاتها فى الدول الاخرى مما جعلها قبلة السواح عشاق الحياة البرية من جميع أنحاء العالم منهم الرؤساء والملوك والامراء وذلك لما خصها به الله من سحر الطبيعة وروعة الاجواء والغابات الكثيفة والادغال الملتفة والاشجار المتفردة والشجيرات المثمرة والبرك والميع والممرات المائية مما اتاح للحيوانات والطيور المناخ المناسب وللسواح بيئة جاذبة خاصة انها تقع بالقرب من الهضبة الإثيوبية ذات الأمطار الغزيرة و المياه الوفيرةو يحيط بها شرقا وغربا نهرا الدندر و الرهد الموسميان . – كانت تلك صورة نمطية لمحمية الدندر و هى فى عز الشباب وألقه فى سبعينات القرن الماضى قبل أن تطالها اعراض الشيخوخة المبكرة و مهدددات البقاء حتى كادت ان تصبح كالاطلال ويلتاعنى كلما هفت بى الذكريات ما التاع المحجوب وهو يتحسر على الفردوس المفقود فى الاندلس ( ولا الخمائل تشجينا بلابلها ولا النسيم سقاه الطل يلقانا ).
ثانيا – عوامل الفناء .
١ – المخاطر البيئية المتمثلة فى الزحف الصحراوى وعوامل التعرية و الجفاف الموسمى للبرك والممرات المائية وتآكل الغطاء النباتى وذلك نتيجة التغير المناخى من ناحية و الإضرار البشرى من ناحية أخرى .
٢ – المهددات البشرية المتمثلة فى التوسع السكانى بسبب النزوح و تداخل المشاريع الزراعية و مسارات الرعاة مع حرم المحمية والنشاط الهدام للحطابة و الفخامة و العسالة المتمثل فى قطع الاشجار او حرقها للحصول على الأخشاب والفحم النباتى وعسل النحل مما أدى إلى اتلاف الغابات وانقراض انواع نادرة من الاشجار و تعرية التربة و افقارها بالاضافة لمغامرات الصيادين من داخل وخارج السودان الذين امتهنوا اصطياد الحيوانات البرية و المتاجرة بلحومها وجلودها . وقد كانت تلك التعديات احد الاسباب الرئيسة للتغير المناخى والتأثير السالب على المحيط البيئى والإحيائى للمحمية .
٣ – التوسع الكبير فى رقعة المحمية ادى لنتائج عكسية حيث تعقدت وتعذرت الرقابة والحماية الميدانية للمحمية لعدم معرفة معالم حدودها مع ضعف الامكانات المادية والبشرية لإدارة المحمية مما جعل بعض اجزائها خارج السيطرة والمراقبة.
٤ – تسببت الحروب والنزاعات فى الدول والاقاليم المجاورة للمحمية كما فى دولة الجنوب واقليم دار فور والنيل الازرق إلى موجات نزوح متكررة من تلك المناطق ليسطوتنوا عشوائيا داخل حرم المحمية ولولا لطف الله ثم صمود ومقاومة المواطنين للجنجويد عند غزوهم لمنطقة الدندر لأصبحت المحمية اثرا بعد عين فقد كان الغزاة كما تعلمون رجرجة لا يأبهون بالبشر فكيف يكون حالهم مع الحيوانات والشجر ؟!! – و على الرغم من الاتفاقيات الدولية لحماية الحياة البرية والقوانين الصارمة والعقوبات الجنائية الرادعة وما تبذله شرطة الحياة البرية فى حراسة المحميه ومراقبة التعديات البشرية فما تزال المخاطر البشرية تحدق بالمحمية وتهدد وجودها .
ثالثا – الآثار الناجمة عن المخاطر .
١ – انقراض بعض سلالات الاشجار والحيوانات والطيور النادرة .
٢ – الهجرة القسرية لبعض سلالات الحيوانات والطيور مما افقد المحمية والى الابد فصائل نادرة وفريدة يتعذر تعويضها حيث يقول الخبراء والمختصون باستحالة العودة العكسية لتلك الحيوانات والطيور فهى ليست كالانسان
متيم بالاوطان .
٣ – التاثير البيئى السالب نتيجة اتلاف الغابات والاشجار وتعرية الغطاء النباتى
٤ – ان لم تتخذ السلطات الحكومية المختصة التدابير والمعالجات الناجعة فإن المحمية سوف تترنح وتهوى وتموت لا قدر الله . – وبعد فكأنى اسمع صوت المحمية يعاتبنى ويستغيث مثلما فعلت لغة الضاض فى رائعة شاعر النيل ( انا البحر فى احشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتى فلا تكلونى للزمان فإنى اخاف عليكم ان تحين وفاتى ) . بماذا نرد يا ترى ؟! هل نستعير من أمير الشعراء ( يا نائح الطلح أشباه عوادينا نشجى لواديك ام نأسى لوادينا ) ام ننهض رغم الجراح لنجدة المستغيث ؟!
رابعا – الحلول الممكنة .
لست طبيبا لاقدم وصفة العلاج و لا ادعى الإحاطة والاختصاص ولكنه جهد المقل من مشفق برحته جراحات المحمية ومأساتها و كما افعل دائما فى مثل امر جلل فسأكتفى برمى حجر صغير فى بحر شاسع طامى و اترك الغوص للغطاسين و النطاسين الذين يبحثون عن الدرر والأصداف أو المبدعون اصحاب الحلول المبتكرة كما جاء فى عنوان مقال الاستاذ بله عبد الله عن محمية الدندر . و ادناه نقدم الروشتة ونأمل الا تؤخذ على علاتها :
١ – على الجهات الحكومية المختصة ان تبادر بالتنسيق والتعاون مع المنظمات العالمية المعنية بالاصلاح والاصحاح البيئى ومنظمات المجتمع المدنى لتتدارك التردى المريع فى المحيط البيئى والإحيائى الذى يهدد المحميات البرية و من اهمها محمية الدندر .
٢ – إحكام القوانين الجنائية المتعلقة بحماية حظيرة الدندر من التعديات البشرية بمختلف أشكالها و تفعيل وتطبيق تلك القوانين بالحزم والشفافية المطلوبة و إنشاء نيابة ومحكمة مختصة لهذا الغرض .
٣ – تعزيز قدرات شرطة حرس الحياة البرية وتزويدها بالاسلحة و السيارات وأجهزة الاتصالات والمراقبة التى تؤهلها لاداء مهامها فى حراسة المحميه ودرء المخاطر والتعديات البشرية عنها .
٤ – الإسراع فى سفلتة الشارع الممتد من مدينة الدندر إلى موقع المحمية لاهميته الحيوية فى ترقية خدمات السياحة وخدمة القرى التى تقع على مسار الشارع خاصة انها مناطق إنتاج لمحصولى الذرة والسمسم التى تعتبر من المحاصيل الاستراتيجية فى السودان .
٥ – انشاء مجمع خدمى فى الموقع المناسب داخل حمى الحظيرة يشمل مستشفى ووحدة بيطرية وملحقاتهما من المختبرات والصيدليات وسيارات الاسعاف والبنى التحتية الضرورية والخدمات الاخرى المساندة .
٦ – انشاء فندق ووحدات سكنية لايواء السواح والزائرين والعاملين .
٧ – انشاء مطار لتسهيل حركة السواح والمسؤولين عبر الطيران مباشرة من الخرطوم إلى المحمية مما يوفر عليهم الزمن ويجنبهم رهق الرحلة بالسيارات التى تستغرق حوالى ثمانية ساعات متواصلة .
٨ – تعزيز وتأهيل رئاسة إدارة الحياة البرية بمدينة الدندر لتؤدى دورها بفعالية فى استقبال السواح والزائرين وارشادهم .
٨ – و ضع استراتيجية تسويقية للتعريف بمزايا المحمية وإجراءات ووسائل الوصول اليها وذلك عبر الوسائط الالكترونية الاعلامية المقروءة و المرئية وطباعة نشرات تعريفية (Brochures) وتزويد السفارات والفنادق السياحية بنسخ منها لتكون فى متناول العملاء المستهدفين كما يجب العناية بالموقع الالكترونى للمحمية واعادة تصميمه بشكل جذاب و تحديثه اول بأول بالمستجدات .
٩ – تثقيف وتوعية المواطنين المحليين بأهمية المحمية وضرورة الحفاظ عليها وعلى البيئة المحيطة بها مما يسهم فى ترقية وتحسين الخدمات فى القرى المجاورة و خلق فرص عمل للعمال والشباب المؤهلين .
خامسا : التمويل .
لا شك أن الحلول والمقترحات التى وردت فى الفقرة (رابعا) أعلاه ستصبح تنظيرا على الورق بلا معنى ما لم تتوفر لتنفيذها مصادر التمويل مع ادراكنا ان الظروف السياسية والاقتصادية الماثلة لا تتيح التمويل الحكومى لهذا المشروع الطموح و نطرح ادناه مقترحات محددة على للحصول على التمويل اللازم حتى يتحقق الطموح ويبلغ البدر تمامه كما يقولون .
١ – اعداد دراسة جدوى لتأهيل وتطوير وتشغيل المحمية .
٢ – اعداد خطة عمل (Action plan) لتنفيذ المشروع طبقا للتفاصيل والمواصفات والفترة الزمنية المحددة فى دراسة الجدوى .
البدائل التمويلية :
١ – عمل شراكة بين الحكومة و احد المستثمرين الوطنيين أو مجموعة منهم ممن لديهم المقدرة المالية و الخبرة فى المجال .
٢ – او طرح المشروع فى مناقصة محدودة (Limited Tender) تستهدف مستثمرين بالانتقاء ( Selected lnvestors) من داخل و خارج السودان .
٣ – أو إيجار المحمية لفترة زمنية متفق عليها لاحد كبار المستثمرين ممن لهم الرغبة والخبرة فى المجال والمقدرة المالية .
سادسا – الختام . ١ – لا ندعى الإحاطة ولا نزعم ان ما تقدم من طرح يستوفى شروط وقواعد البحث العلمى الذى يتطلب البحث الميدانى وتجميع المعلومات من المصادر الموثوقة ومن ثم تحليلها والبناء عليها ولكن نحسب بتواضع جم اننا قد بذلنا جهد المستطاع ونعلم انه ليس من سمع وقرا كمن رأى وغاية ما نهدف اليه ان يتداعى المعنيين والمختصين فى السلطات المركزية و الولائية والناشطين فى المنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدنى من ذوى الاهتمام بالنشاط السياحى وحماية البيئة ان يتداعوا لاثراء النقاش وبلورته إلى حلول عملية قابلة للتنفيذ قبل أن تتهاوى محمية الدندر القومية وتنزلق إلى النهاية المأسوية لا قدر الله .
٢ – ورسالة اخيرة لمواطنى منطقة الدندر و السلطات المحلية والولائية ان يستوصوا بمحمية الدندر فإن تطويرها وانتعاشها سيكون مدعاة لتطوير و نهضة المنطقة ودعونا نحلم (Let us dream) ان تصبح مدينة الدندر احد أجمل و أهم المدن العالمية وليس ذلك على الله ببعيد.