
بقلم عزمي علي بلة
( كاتب وروائي سوداني مقيم بالإمارات)
بعد نشر مقالي عن محمية الدندر تلقيت عدد من الاتصالات كان أولها اتصالا جميلا ومفيدا من المقدم عمر الهادي مدير محمية الدندر الإتحادية، شكرني فيه على تناول موضوعات مهمة وقال إن كل من يقرأ المقال سيعرف بان الكاتب ابن المنطقة ويعرف مشاكلها. وأفادني بأنهم ووفقا لاستراتيجياتهم منفتحين على كل أصحاب المصلحة من أجهزة حكومية، ومنظمات محلية ودولية، وإعلام ومراكز أبحاث علمية. وشعرت بالحماس على مواصلة الكتابة لتطوير هذا الكنز. بصراحة شديدة وبدون مواربة أعجبت بأسلوب هذا الرجل ومنظوره واسع الأفق. فشكرا جنابو عمر الهادي وأنا سعيد جدا بالتواصل معكم.
كما تلقيت اتصالا مماثلا من الأستاذ والإعلامي المخضرم محمد أحمد الكنون، حيث أخبرني بتصدي قوات المحمية لقوة الدعم السريع التي حاولت دخول المحمية، ومنعتها من تحقيق هدفها، وأن الخسائر الحقيقية حدثت في مدينة الدندر حيث قامت بتخريب المكاتب واستراحة السياح وقتل بعض الحيوانات في الحديقة النموذجية التي كانت تستخدم لحفظ بعض الأنواع النادرة أو تلك المصابة والتي تحتاج لرعاية خاصة قبل أن تعود لممارسة حياتها الطبيعية في المحمية. وأخبرني عن مجهودات كبيرة بذلت من إدارة المحمية أبان حركة النزوح من جنوب ولاية سنار وولاية النيل الأزرق وكيفية تفويج النازحين الي مناطق آمنة خوفا عليهم وحفاظا على البيئة. وأمدني بمجموعة من الصور ومقاطع الفيديو الحديثة عالية الجودة والمنجزة باحترافية عالية كعادة أعمال الأستاذ الكنون وكانت هديته هذه محل تقدير كبير من أبنائي حيث تداولوها بشغف شديد مع أصدقائهم كعادة أبناء المغتربين فهم يحنون لكل شيء يربطهم ببلدهم. شكرا أخي الكنون ومعا من أجل غد أفضل.
كما تواصل معي الصديق والدفعة الإعلامي الياس دفوعة وهو من المهتمين بأمر السياحة في الدندر وأطلعني على مجهودات كبيرة بذلت ولا تزال تبذل. كما تلقيت عدد من الاتصالات التشجيعية لتناول الموضوع من الأستاذ الصحفي الكبير أحمد يوسف التاي، المهندس غاندي معتصم، الأستاذ ادم عبد الله البر معلم وناشط تطوعي والأستاذ محجوب مدني لكم جميعا الشكر والتقدير.
وكما وعدت ووعد الحر دينا عليه، نواصل..
للسياحة أشكال متعددة ومتنوعة وهذا التنوع هو الذي يحكم خطط وبرامج المطورين سواء كانوا منظمات حكومية أو مستثمرين وطنيين وأجانب أو منظمات مجتمع مدني، فنوع السياحة وطبيعة محبيها هو الذي يحدد شكل البنية التحتية المطلوبة والخدمات اللوجستية الخ. ففي السياحة الترفيهية حيث يسافر الناس للاسترخاء في الشواطئ، الجبال، أو المدن السياحية الكبرى نحتاج للوقوف على طاقة فندقية هائلة وبرامج ترفيهية مصاحبة ذات تنوع عالي الخ. وهكذا الحال في السياحة الثقافية للتعرف على حضارات الشعوب، مثل زيارة المتاحف، المواقع الأثرية، والحفلات التراثية. عليه فلكل نوع شكل وخطط تختلف نسبيا عن الآخر، فالسياحة الدينية حيث يزور الناس أماكن مقدسة لأداء عبادات أو مناسك دينية، مثل الحج أو زيارة الكنائس والمعابد، فهنا ربما نحتاج لبنية تحتية تلبي متطلبات أعداد كبيرة من الزوار في مواسم محددة الأمر الذي يجعلك ملزم بمعرفة كيفية إدارة الحشود البشرية وتوفير مواعين مناسبة لنقلها وغيره من المتطلبات. وهكذا الحال بالنسبة للسياحة الرياضية لحضور أو المشاركة في فعاليات كبرى ككأس العالم والأولمبياد. بينما تختلف نسبيا عمليات تطوير السياحة العلاجية حيث يسافر الناس لأغراض طبية، مثل العلاج في الينابيع الساخنة أو المستشفيات المتخصصة. أما في السياحة التعليمية بهدف الدراسة أو حضور دورات تدريبية ومؤتمرات، فتعلو أهمية توفير القاعات والصالات ذات السعات المختلفة. هكذا الحال بالنسبة للسياحة الاقتصادية (التجارية) مثل السفر بغرض حضور معارض تجارية أو توقيع عقود أو شراء وبيع البضائع.
لكن ما يهمنا هنا هو نوع السياحة البيئية حتى وان تداخلت مع بعض التصنيفات الأخرى. فالسياحة البيئية تعتمد على زيارة الأماكن الطبيعية مثل الغابات، المحميات الطبيعية، والجبال. فمحمية الدندر تقع ضمن هذا التصنيف وهي محمية عريقة واسعة المساحة حيث تبلغ مساحتها أكثر من عشرة ألف كيلومتر مربع يعني بالعربي كدا تساوي مساحة لبنان لكن الإشكال الأكبر الذي يواجهها عبر عقود من الزمان هو ليس إشكال عملياتي وإنما عدم الاستقرار في السودان، وكما يعلم الجميع لا يمكن أن تتطور السياحة في ظل الحروب.
السياحة البيئية تحتاج إلى بنية تحتية خاصة توازن بين توفير الراحة للسياح والحفاظ على البيئة مع فهم نمط شخصيات محبي هذا النوع من السياحة، وأهم ملامح برامج التطوير تتمحور حول:
– الوصول إلى الموقع عبر طرق تراعي عدم الإضرار بالنظام البيئي. فليس بالضرورة أن تكون طرق مسفلتة لكن يجب أن تكون سالكة وآمنة.
– مرافق الإقامة على شكل نُزُل بيئية مبنية بمواد محلية، تعمل بالطاقة الشمسية، وتراعي التصميم المستدام. فهي تناسب السائح محب الطبيعة الذي يعشق الأماكن المفتوحة والغابات والحيوانات، ويبحث عن الهدوء والابتعاد عن الزحام والمدن. وهذا النوع من النزل فعليا متوفر بالمحمية لكن ربما نحتاج تطويره وتوسعته وفقا للإحصائيات، على أن يكون مصمما ليوفي احتياجات الأسر والأفراد. كما يجب مراقبة الشقق المفروشة المملوكة لأهالي مدينة الدندر لتكون بالمواصفات العالمية لتلبي حاجة السائح خلال الفترة القصيرة التي يقضيها في المدينة قبل الذهاب للمحمية وبعد العودة منها.
– مخيمات مراقبة الحياة البرية، أن تكون في مناطق مختارة بعناية ومجهزة لكن دون التأثير على الحياة البرية. وأن توفر فيها على سبيل الإيجار كل معدات المراقبة والتخييم.
– توفير الخدمات الأساسية للسياح كمصادر الطاقة المتجددة، وشبكة مياه نظيفة مع محطات تنقية صغيرة صديقة للبيئة، شبكات اتصال وخدمات واي فاي ذات جودة عالية، ونظام إدارة نفايات بيئية يشمل تدوير وفرز النفايات ومنع التلوث. حيث غالبا ما يكون زوار المحمية من النوع المدافع عن البيئة الذي يسافر بمسؤولية ووعي بيئي. ويهتم بالاستدامة.
– المرافق الداعمة للزوار مثل مراكز لتقديم معلومات عن التنوع البيولوجي، وقوانين المحمية، وثقافة السكان المحليين. لافتات إرشادية وتعليمية توضح المسارات، وأسماء الحيوانات، أماكن وأوقات ظهورها وقواعد حماية الطبيعة، وذلك لحماية النوع المغامر من الزوار المتحمّس لاكتشاف المجهول والمناطق البعيدة عن المسار السياحي التقليدي.
كذلك توفير مرافق لتلبية احتياجات الباحثين من الزوار الذين يهتمون بالجانب العلمي لفهم الحياة البرية كالمكتبات وسينما الأفلام الوثائقية.
– مرشدون مثقفون ومتحدثون بلغات متعددة ولديهم معرفة بالحياة البرية يشرحون للسياح كيفية احترام البيئة.
– أنظمة مراقبة لحماية الزوار من الحيوانات البرية وضمان عدم انتهاك المناطق المحمية.
– التكامل مع المجتمع المحلي وبرامج تدريب السكان المحليين في السياحة البيئية لضمان التنمية المستدامة. وهذا دور يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني بفاعلية وتجعل من تطوير السياحة هم يومي لسكان المنطقة والمستثمرين. كما يمكنها أن تلعب دورا فعالا فيما يتعلق بالأنشطة المصاحبة. من فعاليات إبداعية متنوعة في مدينة الدندر يمكن أن يقصدها السياح في ليلة استجمامهم قبل السفر إلى المحمية (مسرح، غناء محلي تراثي، رقص شعبي، أمسيات شعرية ومعارض وبازارات لمنتجات محلية، أنشطة رياضية وسباقات هجن الخ).
هذا ما يتعلق بكيف نحضر أنفسنا أما الجانب المتعلق بجذب السياح فهذا أمر يبدأ من تقديرات الضرائب بشكل تنافسي مرورا بإستراتيجية إعلامية وتسويقية شاملة.
والله من وراء القصد.