مقالات الرأي

مدى مسؤولية شركات التأمين عن تغطية الأضرار الناتجة عن الحروب

المستشار القانوني الطيب مضوي شيقوق يكتب ل"5Ws-service"

بقلم / المستشار القانوني الطيب مضوي شيقوق

تعتبر الحرب والنزاعات المسلحة من الحوادث الكبرى التي قد تؤثر بشكل جوهري على الأفراد والمؤسسات على حد سواء. ومن بين الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب على تلك الحروب والنزاعات هي مسألة مطالبة الأشخاص المؤمن عليهم بتعويضات من شركات التأمين عن الخسائر التي لحقت بهم. وهذا الموضوع يثير العديد من التساؤلات حول مدى مسؤولية شركات التأمين في تغطية الأضرار الناتجة عن الحروب، سيما في ظل وجود استثناءات محددة في أغلب الوثائق التأمينية التي قد تستثني الحروب والنزاعات المسلحة من التغطية.

الواقع أن معظم وثائق التأمين، سواء كانت تأمينات على الحياة أو تأمينات على الممتلكات أو التأمينات التجارية، تحتوي على استثناءات تتعلق بالحروب. وغالبًا ما تُدرج هذه الاستثناءات تحت مسمى “استثناءات الحرب” أو “استثناءات الأعمال العسكرية”، وهو ما يعني أن الشركات غير ملزمة بتغطية الخسائر التي تحدث نتيجة لأعمال الحروب أو النزاعات المسلحة. تأتي هذه الاستثناءات من باب تحديد نطاق التغطية التأمينية، إذ أن الحروب تُعتبر أحداثًا استثنائية وغير متوقعة قد تؤدي إلى خسائر ضخمة يصعب على شركات التأمين تحمل تبعاتها.

وتجد هذه الاستثناءات صدى قانونيًا في العديد من الأنظمة القضائية حول العالم. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، قضت المحاكم بانتظام بعدم مسؤولية شركات التأمين عن الخسائر الناتجة عن الحرب بموجب الوثائق التأمينية العادية. ففي قضية Henderson v. Royal Exchange Assurance (1942)، أكدت المحكمة أن شركات التأمين لا تكون ملزمة بتغطية الخسائر الناجمة عن الحرب، وذلك استنادًا إلى النصوص التي تتضمنها الوثيقة التأمينية التي تشير إلى استثناءات الحرب. وفي نفس السياق، حيث قضت محكمة أمريكية في قضية Kidd v. Mutual Fire, Marine & Inland Insurance Company (1950) بعدم التزام شركة التأمين بتغطية الخسائر التي حدثت أثناء الحرب الكورية، نظرًا لأن الوثيقة كانت تنص صراحة على استثناء الأضرار الناتجة عن الحروب أو الأعمال العسكرية.

لكن ومع ذلك، فإنه قد تكون هناك حالات استثنائية حيث يمكن أن تُغطي شركات التأمين الخسائر الناتجة عن الحروب. ففي بعض الحالات الخاصة، قد يكون هناك نوع خاص من التأمين يُعرف بـ “التأمين ضد الحروب” أو “التأمين في ظل النزاعات المسلحة”، حيث يتم تحصيل التأمين من أجل تغطية الخسائر التي يمكن أن تحدث نتيجة للحروب أو الأحداث العسكرية. وتُعد هذه الأنواع من التأمينات نادرة جدًا وتكون عادةً باهظة الثمن نظرًا للمخاطر العالية التي تنطوي عليها. وتظهر هذه الأنواع من التأمينات بشكل أكبر في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة مستمرة، حيث قد تقدم بعض شركات التأمين تغطية محدودة للنزاعات المسلحة أو الحروب، في حال تم الاتفاق على ذلك بشكل صريح في بنود الوثيقة.

ومن الجدير بالذكر أن الأساس الذي يقوم عليه استبعاد الحروب من التغطية التأمينية يعود إلى الطابع الاستثنائي والتدميري الذي تتسم به الحروب. فالحروب قد تؤدي إلى تهدم واسع النطاق للبنية التحتية، وتدمير الممتلكات، وفقدان الأرواح، مما يجعل من الصعب على شركات التأمين توفير التغطية اللازمة لتلك الأضرار الهائلة. علاوة على ذلك، فإن الحروب عادة ما تكون أحداثًا خارج نطاق السيطرة البشرية، وهو ما يجعل التغطية التأمينية عن الأضرار الناجمة عنها غير عملية من الناحية الاقتصادية.

إلا أنه وفي بعض الحالات الخاصة، قد يُتفق على توفير تغطية تأمينية لحروب معينة، ويحدث ذلك غالبًا في إطار عقود تأمينية مخصصة لمناطق الحروب أو النزاعات المسلحة، كما هو الحال في بعض الأسواق الخاصة في مناطق معينة حول العالم. ولكن في غياب هذه الاتفاقيات أو التغطيات الخاصة، فإن شركات التأمين عادةً ما تتنصل من المسؤولية عن الأضرار التي تحدث أثناء الحروب.

من هذا المنطلق، يجب على المؤمن عليهم أن يكونوا على دراية تامة بما تنص عليه الوثيقة التأمينية الخاصة بهم من استثناءات أو تغطيات خاصة. وللتأكد من حقوقهم في مثل هذه الحالات، يُنصح الأفراد والشركات بمراجعة شروط الوثائق التأمينية بدقة، وإذا لزم الأمر، استشارة محامٍ متخصص في مجال التأمين لفهم مدى تطبيق هذه الاستثناءات في حالات الحروب والنزاعات المسلحة.

وفي الختام، يعد فهم الشروط الخاصة التي تضمنها وثائق التأمين أمرًا بالغ الأهمية في تحديد ما إذا كانت الشركات ملزمة بتغطية الخسائر التي تحدث بسبب الحروب. وعليه، يبقى لكل حالة خصوصيتها حسب ما يتضمنه العقد التأميني ومدى توفر تغطية خاصة لهذه الحوادث.

المراجع القانونية:

1. Henderson v. Royal Exchange Assurance (1942): (1942) 1 All ER 145 (HL).

2. Kidd v. Mutual Fire, Marine & Inland Insurance Company (1950): 191 F.2d 788 (1950).

هذا هو رأي شخصي بدون أدنى مسؤولية عما ورد فيه.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى