
بقلم/ عزمي علي بلة
(كاتب وقاص – روائي سوداني مقيم بالإمارات )
يميل بعض الناس في كثير من دول العالم لعملية التنميط stereotyping وهي عملية قائمة على مبدأ استخدام نفس الفرشاة وتلوين الجميع بها بغض النظر عن الفوارق الشخصية إيجابا أو سلبا، فكثيرا ما نسمع بان الشعب الفلاني بارد والشعب الفلاني حمش.. الخ. فهي غالبا عملية تنميط تم اختزالها من موقف تاريخي معين أو حادثة معينة دون التفكر في ماضي هذا الشعب أو ذاك.
فنحن في السودان كثيرا ما نسمع من بعض الأشقاء بأنهم يصفوننا بالكسل بل ويعرضونها في المسلسلات والأفلام كواحدة من المسلمات، ولسنا بمعاتبين أحد، فنحن نعرف جيدا تاريخنا وعطاءنا للإنسانية. فحتى إن وجد هؤلاء بعض القصص التراثية لدعم توجههم كحكايات ود أبو زهانة (المنسدح حمد المنسدح) أبان الدولة السنارية، فبإمكانهم ببساطة وجود مجاهدات الشيخ فرح وجداله لاصلاح حال ود أبو زهانة والذي كان حالة نادرة ومنبوذة من المجتمع السناري. أو يمكنهم الرجوع لحقب تاريخية سابقة ومعرفة كيف أن الكوشيين هزموا الرومان أيام عظمتهم، وكيف تمكنت الكنداكات الكوشيات أمثال أماني ريناس وأماني شاخيتي من شحذ الهمم وبناء دولة عظيمة في ذاك الزمن السحيق عندما لم تكن البشرية تعلم شيء عن التنظيم والإدارة.
على أية حال نحن مطالبون بالمضي قدما لبنا ذواتنا التي هي الأساس لبناء الدولة السودانية. وكما هو معلوم بالضرورة أن الحرب استثناء وأن السلام هو الأصل في حياة الأمم والشعوب، وأن الحرب مهما طال أمدها ستتوقف وسيعود الناس لحياتهم الطبيعية، ولكن كيف؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نجيب عليه جميعنا. هذه الحرب المدمرة قد أهلكت الزرع والضرع، واستنزفت مدخرات الناس والدولة معا، ومن الضرورة بمكان أن ندخل عالم ما بعد الحرب بشكل مختلف يمكننا كأفراد وكدولة من ردم الهوة التي اتسعت كثيرا بيننا وبين من حولنا من الشعوب. وبطبيعة الحال نحن قادرون على ذلك.
عندما تنظر للوراء في تاريخنا الحديث وتراجع حقبة الستينيات والسبعينيات تجد الأسر السودانية كانت تعتمد على شخص واحد يعمل وهو رب العائلة وخلفه جيش جرار من المستهلكين. صحيح إن في ذلك الوقت كانت المرتبات تكفي ليعيل الموظف أسرته ويوفر لها عيشا كريما بل ويفيض عطاءه للأقارب ويتبرع لصالح منظمات مجتمعية رياضية وثقافية. في ذاك الوقت لو تبنت الدولة والمجتمع ثقافة تحث على الإنتاجية وزيادة الإنتاج وتحفيز الشباب للعمل لكان من مصلحة المعيل والأسرة ولكان في مصلحة بناء مدخرات للأسرة ربما قادتها لتدخل في عالم الاستثمار بجزء من تلك المدخرات. لكننا تمسكنا بنظرية الأب المعيل وتراخينا في تحفيز المجتمع لتبني ثقافة اكثر تفاعلا مع المتغيرات الاقتصادية ومفاهيم الندرة التي كانت تحاصرنا دون ادنى وعي أو تحرك مضاد من متخذي القرار عبر حقب الحكم المتعاقبة، الى أن وصلت مركبنا القيف كما يقول المثل واكتشفنا فجأة أننا اصبحنا 40 مليون وان احتياجاتنا قد تطورت وان عملتنا تدهورت بموجب أسباب اقتصادية كثيرة ومعروفة، وان مرتب الوالد لم يعد يكفي الوالد نفسه لشراء أدوية السكر والضغط والتي لم تعد مدعومة من الدولة كما كان في السابق وهكذا قس، وبالنتيجة حتى عمل كل الأبناء لم يعد كافيا لتغطية احتياجات الأسرة. عموما لا يجدي البكاء على اللبن المسكوب، نحتاج أن ندخل مرحلة ما بعد الحرب بعقلية جديدة مع كافة الأطراف أفراد، منظمات، شركات ودولة.
خلونا من المهلة الزمان ديك، كي ننجو من آثار هذه الحرب علينا أن نكون فاتحين 24 ساعة، بعد كدا ما في نوم!
سواء كنت فرد عادي أو صاحب شركة أو مسؤول في الدولة خليك عارف أن الطريقة القديمة غير مجدية.
إذا كنت صاحب شركة صنف الأعمال بما يسمح للناس أن تعمل معك بنظام ساعات العمل المرنة وجهز عقود العمل وفقا لذلك، لتمنح العامل فرصة أن يعمل معك في وقت ويجد وقتا آخر ليعمل في نشاطه الخاص لزيادة دخله، فالموظف الذي يعمل عملا مكتبيا ليس بالضرورة تواجده من الساعة الثامنة ص وحتى الرابعة عصرا فهذا زمن يمكن أن يقضيه كله أو بعضه في مزرعته الخاصة، ثم يذهب للوظيفة في الأمسيات حيث لا تتأثر مؤسسته بتدني الإنتاج ولا يفقد هو فرصة زيادة دخله من أعمال أخرى. انتهى زمن السبعينات والجلوس لساعات طوال في البيت بعد الدوام. الشعوب التي ترونها معجزة النهوض مثل دول النمور الآسيوية، هذه شعوب نهضت هي بالدولة وليس العكس، فعندهم المدرس يعمل وفقا لساعات عمل مرنة في الدوام الصباحي أو بعد الظهر أو المسائي ويستقل ما تبقى من وقته في محله الخاص لبيع الآيسكريم أو تصفيف الزهور أو الالتحاق بوظيفة أخرى بدوام جزئي كموظف استقبال في فندق أو مساعد طباخ أو سائق تاكسي الخ وبالنتيجة يتحصل على دخل إضافي يفوق حاجته الاستهلاكية، وبطبيعة الحال هذا الدخل يحسب كمدخرات في حساباتهم المصرفية تستفيد منه البنوك قبل أن يستفيد منه هو شخصيا في استثمارات مستقبلية بعد تعبية المدخرات للحد المناسب الذي يسمح باستثمارها بشكل منفرد أو على شكل شراكات ذكية تجمعها في مشروع شركات كبيرة.
بجانب العمل بساعات مرنة والذي يحتاج من الدولة توفير شروطه، هنالك العمل من البيت والذي أتاحته ظروف التطور التكنلوجي وبخاصة تكنولوجيا الاتصالات، وأكدت نجاحه ظروف جائحة كوفد19 فأصبح باستطاعتنا أداء الكثير من المهام من البيت ودون الحاجة لصرف النقود من اجل الوصول لمقرات العمل ولا زحمة الطرق ولا استهلاك الملابس الرسمية والمكياج ولا التفريط في رعاية الأطفال. كل هذا أصبح ممكنا في آن واحد يمكن للام أن تعمل في الكول سنتر من بيتها أو تعمل في التصميم أو تحضير المرافعات القانونية وهي في بيتها ترعى أطفالها وترتدي بجامة بدل الثياب الباهظة الثمن التي تخرج بها للعمل، وكل المطلوب هو تحديد واضح للمهام التي يتوقع أن ينجزها الموظف من بيته وهي الحكم في تقييم الأداء حتى لا نفقد قيمة وفائدة العمل من البيت.
يعني بالعربي الفصيح علموا الأولاد والبنات العمل وقيمته نحن لسنا أفضل من أمريكا ودول أوروبا ففي جميع هذه الدول يعمل التلاميذ في الإجازة الصيفية ويقومون بتأدية أدوار عظيمة ويعملون في شتى المجالات وحسب ميولهم ومقدراتهم وتشكل ساعات عملهم إضافة نوعية لهم وللاقتصاد القومي بشكل مباشر وغير مباشر. وحتى لو كنت مقتدر ماليا ولا تريد أن يعمل أبناءك في العطلات فدعهم يتطوعون لأداء أعمال مع منظمات تطوعية فهي كذلك مساهمة مجتمعية ذات قيمة عالية جدا لو تعلمون.
أدعو الله أن يوفقنا بعد الحرب أن نتوجه بشهية مفتوحة للعمل لنعوض ما دمرته الحرب، الشغل بتاع المهلة الزمان داك سوف لن يجدي فتيلا في سودان ما بعد الحرب حيث لا مجال للاستكانة!
ما تقول لي سنة سنتين شوية!
بعد كدا الدقيقة ح تفرق معانا
ما تقول لي درب السلامة للحول قريب! ليس قريبا بل بعيد ونحتاج أن نخاطر من أجل النهوض ببلدنا.
ما تقول لي ما تضغطوني شديد وخلوني براحتي! بل يجب أن نضغطك لحد ما تجيب الزيت عديل كدا.
ما تقولي زي ما قال الجميل هاشم ميرغني برغم اختلاف السياق غيب وتعال تلقانا نحن يانا نحن! بل سنتغير وسوف لن تجدنا كما كنا لو غبت عنا.
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
تاني مافي حاجة اسمها سمحة المهلة
قدام