
بقلم/ المستشار القانوني الطيب مضوي شيقوق
في تطور قانوني لافت، أعلنت محكمة العدل الدولية يوم الخميس قبولها السير في الدعوى المقدّمة من السودان ضد الإمارات العربية المتحدة، معتبرة أن الحيثيات التي تقدّم بها السودان كافية قانونًا لفتح الملف، في مقابل تحفظات إماراتية وصفتها المحكمة بأنها “كلام عام يفتقر للتفاصيل”.
هذا القرار، الذي يصنف ضمن الإجراءات الأولية، يعني ببساطة أن المحكمة تجاوزت مرحلة الشكليات وانتقلت إلى المرحلة الجوهرية، حيث سيتم النظر في صلب الدعوى، بما في ذلك الوقائع والأدلة وتكييفها القانوني وفقًا لقواعد القانون الدولي.
ماذا تعني المرحلة الموضوعية في هذا السياق؟
في لغة القانون الدولي، تتبع محكمة العدل الدولية مرحلتين في نظر الدعاوى:
1. المرحلة الإجرائية (الشكلية): يُنظر فيها إلى ما إذا كانت المحكمة مختصة، وهل هناك أسس قانونية لبدء النظر في القضية. كثير من الدعاوى تتعثر عند هذا الحاجز إذا لم تُقدّم بلغة قانونية دقيقة.
2. المرحلة الموضوعية (الجوهرية): وتُعد الأهم، حيث تُفتح أبواب المحكمة للاستماع إلى التفاصيل الدقيقة للواقعة:
ماذا حدث؟
من قام بماذا؟
هل ما جرى يُعد انتهاكًا للقانون الدولي؟
وما التعويض أو الإجراء الذي ينبغي اتخاذه؟
خلال هذه المرحلة، تُقدَّم مرافعات مكتوبة وشفوية، وتُستعرض الوثائق، ويستعين الطرفان بمحامين وخبراء قانون دولي، في معركة قانونية قد تطول لكنها تترك أثرًا دبلوماسيًا وقانونيًا كبيرًا.
لماذا هذا التطور مهم؟
ببساطة، لأن محكمة العدل الدولية لا تفتح ملفاتها إلا في القضايا الجادة والمعقدة. فإذا مضت المحكمة في النظر، فهذا يعني أن هناك شبهة انتهاك حقيقية قد تكون وقعت، وتستحق أن تُعرض أمام المجتمع الدولي.
والأهم من ذلك أن قرار المحكمة – حتى في هذه المرحلة – يُمثل نجاحًا قانونيًا للسودان، لأنه استطاع أن يُقنع هيئة دولية رفيعة بأن هناك ما يستحق النظر فيه، رغم تحفظات الإمارات التي لم ترتقِ إلى مستوى الطعن القانوني المؤثر في هذه المرحلة.
إلى أين تمضي الدعوى الآن؟
المحكمة ستحدد جدولًا زمنيًا لتبادل المذكرات القانونية بين السودان والإمارات.
قد تُعقد جلسات استماع علنية، وتُستعرض أدلة وشهادات خبراء.
وفي نهاية المطاف، ستُصدر المحكمة حكمًا نهائيًا وملزمًا.
يبقى السؤال الأبرز: هل ستفتح لاهاي فعليًا ملفات الانتهاكات الإقليمية؟ وهل ستمضي الدعوى إلى نهايتها دون ضغوط سياسية؟
الأيام وحدها ستكشف الإجابة، لكن ما هو مؤكد أن السودان، في هذه المرحلة، انتزع اعترافًا دوليًا مبدئيًا بحقّه في مقاضاة الإمارات أمام أعلى سلطة قضائية دولية.