مقالات الرأي

من جراب الذاكرة..أيام في مدينة واو (1)

5Ws-service

بقلم/ مولانا حسين الفكي الأمين الإمام
(قاضي المحكمة العليا سابقا – مقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة)

في منتصف ثمانينات القرن الماضي امضي صاحبنا قرابة العامين في مدينة واو ذات الطبيعة الساحرة وجمالها المدهش وعلاقتها الاجتماعية الممتازة بين مكونات المجتمع فكان الجلابة هم عصب هذه العلاقة ومعهم الفلاتة الذين يمثلون حضورا بينا في المساجد والمناسبات الدينية الي جانب الفراتيت ومنهم علي تميم فرتاك وإخوانه وقبيلة الجور التي يمثلها عوض الذي كان طالبا وقتها في الجامعات المصرية وقد عمل وزيرا لوزارة الزراعة بولاية كسلا ثم محافظا الي جانب بعض أفراد من الدينكا تربطهم علاقة المسجد كبدرالدين دينق الذي كان مؤذنا بمسجد واو العتيق ورمضان أكول والطيب أكيج ورمضان سعيد من قبيلة الفلاتة حيث أولاد شندي والمغاوير وطيبة الخواض وخليل الدرويش كل هؤلاء وآخرين يمثلون مجتمع مدينة واو آنذاك وكان مجتمعا متماسكا ومترابطا ومتواصلا في الأفراح والأتراح وقد استمتع صاحبنا بهذا الجو المتناغم في أحواله الاجتماعية والساحر في طبيعته خاصة في فصل الخريف .
صحا صاحبنا في فجر يوم من أيام الشتاء ليجد صديقه احمد علي ابكر وقد اسر له بان انقلابا وشيكا سيكون في الخرطوم وان المظاهرات الرافضة لنظام نميري عمت كل أجواء الخرطوم وانتقلت الاحتجاجات لبقية الولايات وعاش السودان في ظلام دامس لانقطاع الكهرباء واشتعلت الحرب في جنوب السودان وأصبح الأمن في واو يكاد يكون معدوم وأصبح السودان كله علي حافة السقوط الأمني والانهيار الاقتصادي إزاء هذه التعقيدات السياسية والأمنية كان لابد أن ينبثق فجر يوم جديد ليعلن الجيش استلامه للسلطة منهيا فترة حكم نميري التي امتدت ستة عشر عاما وكان قد أعلن الفريق عبدالرحمن سوار الدهب انحياز لإرادة شعب السودان في التغيير المنشود والمتوقع وكان ذلك في السادس من شهر أبريل ١٩٨٥م .
في تلك الأيام نشطت حركة التمرد في جنوب ووسعت نشاطها السياسي والعسكري في كل أرجاء الجنوب وحسب قراءتنا للواقع السياسي والأمني فقد أصبح وجود الشماليين والجلابة مهددا لان واحدة من أجندة حركة أنانيا 2 هو استهداف العنصر الشمالي المسلم وإقصائه من المشهد السياسي وأصبحت هذه الأجندة مهدد لوجود صاحبنا ومن معه في مدينة واو
فغادرها صاحبنا ومعه صديقه ودفعته احمد علي ابكر، غادرا مدينة واو برا بالعربات متجهين الي مدينة كوستي وكانت رحله بها كثير من المخاطر، قطعا هذه المسافة في عشرة أيام تقريبا من مدينة راجا ثم بحر العرب ثم الضعين والمجلد وبابنوسة وذلك في مارس ١٩٨٥م .
وذلك بعد أن علم صاحبنا أن مخططا لتصفية الوجود الشمالي في مدينة واو بات وشيكا بعد أن تسربت مذكرة بتوقيع سبعة عشر حزب من بينهم حزب سانو تطالب الشماليين بمغادرة واو أو إجبارهم بالقوة العسكرية للمغادرة
وكان شهر مارس ١٩٨٥ م آخر عهدنا ووجودنا في هذه المدينة الساحرة.

نواصل

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى