مقالات الرأي

ناهد قرناص تكتب : بعد الدماء التي سالت في شوارع الخرطوم لم يعد يؤلمنا شئ

فايف دبليوز سيرفس

بقلم / ناهد قرناص

خذها نصيحة مني يا صديق ..لا تلتفت للوراء ..لا تبحث عما حدث بعد ذهابك ..فالاخبار لن تسرك ولن تشفي غليلك ..الجهل احيانا نعمة .. ..

لماذا ضغطت على ازرار الهاتف واتصلت سائلة عن بيتي ؟ وكنت قد عاهدت نفسي الا انكأ الجراح مرة اخرى ..لكنه العناد وهذا (الرأس القوي ) ..اتصلت ..وعلمت باقتحام منزلي ..ليس هذا فقط ..لكنهم قالوا لي انهم نقلوا الاثاث قطعة قطعة ..هل آلمني ذلك ؟ ..
لن اكابر واقول لا ..ربما ..لكن الذي كان مثل خنجر حاد يغوص في قلبي ..هو تخيل اخذهم (فضية ) امي رحمها الله ..
تلك التي كنت احرص عليها كما كانت هي ..فقد كانت تذكرها بايام جميلة ..ونحن لا نزال في عهد الصبا ..قالت لي ذات مرة ان هذه الفضية كانت من اوائل الاثاث الذي اقتنته بعد ان نجحوا اخيرا في الخروج من دائرة الايجار في حي امبكول الى بيتنا الملك في الحصايا ..كان بيتا صغيرا ..بنائه من الطين والجالوص ..بابه الخشبي ذو (السقاطة) التي عمرت طويلا ..حتى تم استبداله بباب الحديد ..

في تلك الفضية كانت تحتفظ بطقم الصيني (روميو وجولييت) منذ زواج بتول اختي الكبرى في بداية السبيعنيات ..وعدد من اطقم العصير والشاي ..قديمة …لكن كل قطعة لها ذكرى ومعنى ..بل انها كانت تحتفظ بعلبة حلوى فارغة اهدتها لها خالتها الراحلة طاهرة فقير عندما اطل اخي عبد الحميد الى الوجود ..

الرف الاخير في الفضية كان به (صحن الحنة) ..صحن صيني ثقيل الوزن كبير الحجم ..كانت تتفاءل به كثيرا فقد ورثته من عمتها فاطمة مبروكة (جدتي لابي ) ..في هذا الصحن عجنت بيديها حنة اخواني واحدا تلو الاخر وهي تزفهم الى بيوتهم ..كانت تحرص عليه كثيرا ..وكنت اتمنى ان (اعجن) فيه حنة اولادي كما كانت تفعل هي رحمة الله عليها .

يقولون انهم يبيعون الاثاث المنهوب بثمن بخس ..لو عرضوها علي لما كفاني فيها وزنها ذهبا ..فيا ذلك الذي وقعت هذه القطعة في يده ..خذها برفق وتمهل ..فهي ليست مجرد اخشاب وزجاج ..انها ذكريات عمر ..واحلام ..وبقية من احباء فارقونا الى غير رجعة.

قديما نعى المعري صديقه قائلا
كنت السواد لناظري
فعمى عليك الناظر من شاء بعدك
فليمت فعليك كنت احاذر

نعم ..كنا نحاذر على الكثير ..لكن بعد موت الاحبة ..وفراق الاصدقاء ..وتلك الدماء التي سالت في شوارع الخرطوم ..لم يعد يؤلمنا شئ ..فقد انطبق فينا قول الشاعر
ما لجرح بميت ايلام .

انا لله وانا اليه راجعون .

# ليس لها من دون الله كاشفة

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى