
بقلم/ الطيب مضوي شيقوق
(كاتب- محامي ومستشار قانوني)
هذا السؤال يطرح نفسه بقوة في فترات الحكم الانتقالي، أو في ظل حكومات تواجه صعوبات في تشكيل فريق وزاري متكامل، وهو يستدعي قراءة قانونية وسياسية هادئة تستند إلى المبادئ الدستورية وتجارب الدول المقارنة، بعيدًا عن الأشخاص والوقائع الافتراضية.
أولاً: الإطار الدستوري
لا تتضمن معظم الدساتير، خاصة تلك المؤقتة أو الانتقالية، نصوصًا صريحة تمنع رئيس الوزراء من تولي حقيبة وزارية إلى جانب منصبه التنفيذي الأعلى. ويُعد النظام البرلماني عمومًا أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث يمكن لرئيس الوزراء، من الناحية الشكلية، أن يتولى وزارة بعينها مؤقتًا، لا سيما في حالات الضرورة أو الفراغ أو لتعذر التوافق السياسي على مرشح مستقل.
وفي الحالة السودانية، فإن الوثيقة الدستورية لسنة 2019، وكذلك التعديلات اللاحقة، لم تتضمن أي نص يمنع مثل هذا الجمع، ما دام قد تم وفق الإجراءات المتبعة، أو استنادًا إلى اتفاق سياسي أو قرار سيادي صادر عن الجهة المختصة.
ثانيًا: مبررات الجمع بين المنصبين
هنالك ظروف معينة قد تدفع إلى هذا الخيار الاستثنائي، ومنها:
1. غياب التوافق السياسي: في حالات الانقسام السياسي، قد يصعب التوافق على شخصية مقبولة لوزارة سيادية مثل الخارجية، ما يجعل رئيس الوزراء مضطرًا إلى إدارتها مؤقتًا.
2. الفراغ الإداري العاجل: قد يتطلب الوضع الخارجي تحركًا سريعًا في ظل فراغ الوزارة، خاصة إذا كانت البلاد تمر بمرحلة إعادة انفتاح دبلوماسي أو تفاوض حساس.
3. الخبرة الشخصية: إذا كان رئيس الوزراء يتمتع بخبرة وعلاقات دولية واسعة، فقد يُنظر إلى توليه الخارجية مؤقتًا كخيار عملي ومفيد للمصلحة الوطنية.
4. مرحلة إعادة الهيكلة: أحيانًا تكون بعض الوزارات تحت المراجعة أو إعادة الهيكلة، مما يستدعي إدارتها من قبل شخصية عليا لحين ترتيب وضعها.
ثالثًا: التحفظات والمخاوف
رغم مشروعية هذا الخيار من الناحية القانونية، إلا أنه يثير عددًا من المخاوف السياسية والإدارية:
تضارب المهام وضغط العمل: رئاسة الوزراء منصب مرهق بطبعه، وتولي وزارة بحجم وزارة الخارجية قد يُشتّت الجهد ويضعف الأداء في كلا المنصبين.
المساس بمبدأ الفصل بين السلطات داخل الجهاز التنفيذي: من المفترض أن يراقب الوزراء بعضهم بعضًا داخل مجلس الوزراء، والجمع بين المنصبين قد يُضعف من آليات التوازن والمساءلة.
خطر تركيز السلطة: قد يُنظر إلى الجمع باعتباره خطوة باتجاه احتكار السلطة التنفيذية، خاصة في سياق انتقالي يفترض فيه توزيع المسؤوليات لضمان الشفافية.
إضعاف الأداء المؤسسي: تولي رئيس الوزراء لوزارة الخارجية قد يربك العمل المؤسسي الطبيعي داخل الوزارة، ويحول دون تمكين الكوادر الدبلوماسية من الاضطلاع بدورها القيادي.
رابعًا: شواهد دولية ومحلية
في السودان:
الصادق المهدي (1986–1989): لم يتولَّ الخارجية رسميًا، لكنه أدار الملف لفترة مؤقتة قبل تعيين وزير، بسبب تعقيدات التشكيل الوزاري حينها.
الجزولي دفع الله (1985–1986): خلال الحكومة الانتقالية، كان هناك تداخل واضح في التكليفات، وتولى بعض الوزراء أكثر من حقيبة، وكان رئيس الوزراء يتدخل مباشرة في إدارة ملفات وزارية حساسة إلى حين اكتمال التشكيل.
إليكم بعض النماذج من ممارسات الدولية :-
بريطانيا – ونستون تشرشل: خلال الحرب العالمية الثانية، تولى رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع معًا، مبررًا ذلك بالحاجة إلى القيادة المركزية في زمن الحرب.
فرنسا – شارل ديغول: تولى وزارة الدفاع بنفسه في أزمة الجزائر 1958، لتأكيد السيطرة العليا على القرار العسكري والدبلوماسي.
إسرائيل – بنيامين نتنياهو: شغل منصب وزير الخارجية إلى جانب رئاسة الحكومة بين 2015–2019، في غياب التوافق على شخصية بديلة.
الهند – جواهر لال نهرو: أول رئيس وزراء بعد الاستقلال، احتفظ بمنصب وزير الخارجية لنحو 17 عامًا، معتبرًا إياه امتدادًا لمسؤولياته في بناء صورة الهند عالميًا.
واخيرا فإن الرأي عندي هو جواز الجمع بين رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية في حال غياب نص مانع، ويمكن تبريره سياسيًا في حالات الضرورة، لكن الأَوْلى أن يكون مؤقتًا ومحدود المدة، لا أن يتحوّل إلى نهج دائم. وتبقى الأولوية في فترات الانتقال لتوزيع المسؤوليات، وضمان مشاركة أوسع، وبناء مؤسسات قائمة على الشفافية والحوكمة.