بقلم/ الطيب الصاوي ابو عمر الجبلابي
(كاتب ومحامي وباحث في التراث الشعبي)
الغناي قال سفرة تربحك وسفرة بتشيل من جيبك وسفرة بتوريك عيب الرفيق من عيبك : أن صح لي أن استعير هذه (السفرة) إلى (نزحة) ويوميات نازح ، فمنذ أن خرجنا من مدينة سنجة التي سقطت على حين غفلة ولم يستغرق الاستيلاء عليها نصف الساعة فقد نزح المسؤولون قبل الرعية يا لهول ذلك اليوم العصيب منذ أن بدأت رحلتنا مع النزوح بدأت بالمحطة الأولى السوكي ( سمك وتمك ) وكان تمك السوكي شهيرا جدا وكذلك سمك السوكي والمطعم الشهير عز العرب.. وتاريخ السوكي تليد جدا ، فهناك من الأعلام السر عوض يوسف ويعقوب حامد بابكر..المهم كانت السوكي اول محطة النزوح وفي طريقنا إلى السوكي جلسنا على ضفاف ترعة شاشينا ، وقد احضر لنا رجل ماء شرب وكيس به بعض قطع الطاعمية واهلنا قالوا الجوعان ما ببرد الحارة كانت نظرتنا للموقف كأنما ذاك الرجل نحر لنا (العُشار المودعات ) لأنها كانت بطيب خاطر، ومثلنا الشعبي بقول ( بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر ) ..ثم تحركنا إلى السوكي وايضا في طريقنا وجدنا أهلنا من الهوسة قاطعين الطريق بالماء وبليلة الدخن ذكرونا بقصة عوج الدرب ..المهم وصلنا مدينة السوكي ومعنا بعض الاغنام والابقار سألنا عن مشرع السوكي ،لكي تشرب البهائم انبرى لنا شباب واخذونا إلى المشرع وبعد أن شربت البهائم اتجهنا صوب المدرسة الثانوية القديمة وجلسنا تحت ظل أشجار الهجليج المعمرة وبعد العصر، فإذا بذاك الرجل الرقيق خيط الشلة -كما يقول استاذنا الطيب شيقوق رد الله غربته- ومعه كارو بها قصب للبهائم وطلب منا الذهاب إلى المنزل ولكن اعتذرنا وقلنا له بعد المغرب وبعد المغرب حضر واخذ الأبقار إلى زريبته وكذلك الاغنام وهذا الرجل يطلق عليه الجنوبي ونحن جلسنا مع اخونا مهدي هجو اليعقوبابي رجل كرم وبشاشة وطيب خاطر جلسنا معهم قرابة العشرة ايام اكرمنا فيها كرم حاتمي ثم بعد محاولة المليشيا الأولى لدخول السوكي ذهبنا بعد صلاة الجمعة سيرا على الاقدام إلى حمدنا الله وعندما وصلنا حمدنا الله تذكرت زميل الدراسة في الثانوي اخونا الصادق عثمان ابوبكر ..وقد كنا ثلاث أفراد دخلنا بعد المغرب سألت عن منزل الصادق عثمان اصطحبنا طفل إلى أن قال هذا باب الديوان والصادق في السعودية ولكن موجود اخوه محمد الشهير بي (كوجاك) وصلنا ووجدنا محمد كرم وبشاشة .
اول ما قال : تستحموا اول حاجة ، أشرنا الى صعوبة الماء ، فقال اذا كانت الماء موجودة أو ما موجوده لازم تستحموا بعدها اكرمنا كرم حاتمي في العشاء وفي الصباح مع الشاي واصطحبنا إلى موقف المواصلات التي تذهب إلى (مُشرع)ام رهابة وقد وصلنا (مُشْرع) ام رهابة وهنالك شيخ يطلق عليه شيخ الضو وجدنا الناس متكدسة تتزتحم على المعديات والمعديات مرفوعة من النهر في “القيفة” واخبرونا بان شيخ الضو مانع الناس تعدي، وكانت الظروف صعبة جدا فهناك كبار سن واطفال ومرضى وهنالك من يحمل والدته على يديه رغم ذلك لم يلن قلب شيخ الضو وتتحرك انسانيته إلى أن تحركنا وذهبنا لمشرع اخر يقال له مشرع ود النمر وفي مشرع ود النمر كان العدد كبيرا ولكي يتم تنظيم الناس اطلق احد العساكر طلقات في الهواء تسببت في الرعب والخوف، قد انطبق عليهم المثل الشعبي: ( الضايق عضت الدبيب بخاف من مجر الحبل) ، المهم عبرنا في ود النمر ووجدنا لوري وركبنا ووصلنا سوق ود النمر وهو سوق يوم، وقد وجدنا الناس قد تفرقوا وهذا كان قبل المغرب لم يتبق الا ابوسعن، وهو نوع من الطيور تعج بها المنطقة ولم نجد مواصلات انتظرنا، وهنالك رجل من أهلنا الهوسا وهو من ود الركين قلنا له نحن نريد أن نذهب إلى ود الركين قال انتظروا هنالك سيارة سوف تحضر لتاخذني إلى ود الركين وانتم ستذهبوا معنا وعندما وصلت السيارة صالون نيسان طلب من ابنائه الركوب على سطح السيارة وطلب منا نركب داخل السيارة وعندما وصلنا ود الركين مع المغرب همينا باعطائه مبلغ أجرة النقل لكنه رفض ان ياخذ شيئا .. وفي ود الركين تذكرت ايام الثانوي واستديو ود الشيخ وعمنا ابراهيم ود الشيخ عليه رحمة الله وسألت عن منزلهم كذلك أخذنا شاب إلى أن اوصلنا منزلهم حيث ديوان الضيافة المكتمل الواسع واحتفى بنا اهله ايما احتفاء واكرمونا غاية الكرم وفي الصبح أيضا كرم حاتمي وودعناهم ونحن في طريقنا إلى أبو رخم وفي طريقنا إلى الحواته..
الشاهد في كل ذلك مواقف الرجال وسجايا اهل السودان السمحة في التكافل وإغاثة الملهوف ..فهم اهل نجدة ونخوة لايستحقون لا يستاهلون ما حل بهم من تشريد ونزوح ولجوء ولكن هذه صروف الدهر والحاردلو قال:
في سوق القضارف كم قدل بي عولي وكم عنف رقاب لامات حجيلن لولي انقلب الزمن شالني فوق صنقوري
ركبني الحمار حتى الحمار ما هولي
والى ان القاكم في يوميات نازح مواصلة لرحلة النزوح اترككم في رعاية الله وحفظه..


