تقارير وتحليلات

الباحثة الإماراتية د. أمينة العريمي تكتب حول السيناريوهات المحتملة لمعركة الفاشر(2)

فايف دبليوز سيرفس

بمناسبة معركة كسر العظم التي أدارها الجيش السوداني باحترافية عالية يوم الثلاثاء الماضي واليوم  في أرض الفاشر..نعيد نشر هذا المقال التحليلي للكتابة الإماراتية د. أمينة العريمي ..

بقلم د. أمينة العريمي
(كاتبة وباحثة إماراتية متخصصة في الشأن الأفريقي)..
نواصل اليوم في نشر مقال الكاتبة الاماراتية المتخصصة في الشان الافريقي حول  معركة الفاشر وثبات الدولة الوطنية “رؤية أفريقية”..وفيما يلي نص الجزء الثاني من المقال:
الرؤية الدولية للأزمة الآن:
يدرك المجتمع الدولي بأن هناك حقائق في الساحة السودانية:
‏   الأولى: المؤسسة العسكرية السودانية بعد تحرير ‫الخرطوم ليست كما قبلها، وبات في إدراك كافة الأطراف الدولية والإقليمية بأن العقيدة العسكرية التي بات يتبناها ‫الجيش السوداني لم تعد تلك العقيدة التقليدية التي تأسست عليها معظم المؤسسات العسكرية، فما تعرضت له ‫السودان خلال السنوات الثلاث الماضية كفيل بإعادة صياغة الرؤية الوطنية لكافة المؤسسات السيادية في سودان المستقبل.
‏ الثانية: المؤسسة العسكرية السودانية وكافة أجهزتها الأمنية تستعد لمواجهة ما هو أكبر من دحر مليشيات متعددة الجنسيات، والإمداد، والتوجهات، وذلك ميزان خاص لا تدركه إلا المؤسسات الأمنية الوطنية الحقيقية البعيدة عن الإشراف الخارجي والإدارة الأجنبية، ولقد باتت رؤية الأطراف الدولية لكيان وقيادة مليشيا الدعم السريع اليوم موحدة مفادها أن ‫الدعم السريع لم يعد يستمد قوته وإستمرار بقاءه من الداخل السوداني الذي بدأ يصيغ رؤيته وفقاً لما أكتسبه من تجربة الحرب وما أسفرت عنه من تداعيات، وإن كانت تلك الحقيقة شابها الإلتباس في عهد الإنقاذ، فإن معركة الكرامة التي بدأت فصولها في إبريل 2023 جاءت لإجلاء ذلك وتبيانه.
التطورات المتلاحقة في الساحة السودانية تشير إلى أن العمليات العسكرية ستتجاوز مدينة “الفاشر”، فإذا كانت رؤية القيادة السودانية ومكونها الشعبي منذ عهد الإنقاذ 1989 حتى 15 إبريل 2023 مقتصرة على أن تحديات الإقليم الغربي من البلاد وتعقيداته الداخلية أكبر من قدرة القيادة على إحتوائها ومعالجتها، فإن الإنقسامات الحادة التي فرضتها هذه الحرب على كينونة الدولة السودانية جاءت كفرصة تاريخية في ظرف إستثنائي لقيادة حالفها الحظ أن تكون الرائدة لإسترداد الدولة، وإعادة بناءها من الداخل، فلا سودان بعد اليوم بدون إقليم ‫دارفوركاملاً ومحرراً من رجس ‫الجنجويد .
السيناريوهات المحتملة لمعركة الفاشر:
‏    – السيناريو الأول: “سيطرة ‫الجيش السوداني على دارفور”، هذا السيناريو مرتبط تحققه بثلاثة عوامل:
‏       – الحصول على عتاد عسكري متطور للجيش السوداني.
‏      – إستمرار وتيرة إنشقاق وهروب منتسبي مليشيا الدعم السريع،
‏      – سقوط الضعين، فسقوط الضعين في يد الجيش السوداني سيخل بالتوازنات الأمنية والسياسية للمليشيا ، خاصة أن “الناظر مادوبي” أعلنها صراحة قائلاً ” لو متحرك الصياد دخل حدود شرق دارفور أنا سأعلن الإستسلام للجيش”، وهذا لو حدث سينعكس على المكون الإجتماعي لكافة مدن دارفور، وبالتالي لن يجد الجيش السوداني ما يعيق مواصلة حراكه العملياتي المسلح نحو المدن الأخرى، فسيكون الجيش السوداني قد أحكم قبضته على عاصمتين في إقليم دارفور،”الفاشر”، و”الضعين”. (ما يعيق هذا السيناريو التداخل القبلي الكبير بين المكون الشعبي في دارفور وتشاد والذي يحتاج إلى إدارة إستراتيجية “خاصة” تعمل على تغيير الكثير من الوقائع على الأرض) .
‏- السيناريو الثاني: “سقوط الفاشر في يد مليشيا الدعم السريع”، وهذا السيناريو مرتبط تحقيقه بعدة عوامل أهمها:
‏   – إسقاط الفاشر من الداخل بواسطة خلايا أمنية متعاونة مع المليشيا.( وهذا ما تسعى إليه المليشيا خاصة بعد مقتل اللواء علي يعقوب، فرؤية المليشيا للفاشر قبل مقتل يعقوب ليس كما بعدها).
‏   – إنهاك الجيش السوداني بجره إلى مواجهات في ميادين غير محسوبة. (وهذا ما تبذل وستبذل قيادة المليشيا لأجل تحقيقه قصارى جهدها)، ما يعيق هذا السيناريو هو رؤية القيادة السودانية بأن معركة الفاشر إن لم تحسم لصالح الجيش السوداني فهذا يعني أن مشروع تقسيم البلاد ماضٍ في تقدمه، وسيتلاشى الرهان لإجهاض مشروع الحكومة الموازية، وسيتراجع الرصيد الشعبي للمؤسسة العسكرية السودانية. (وهذا ما تخشاه الخرطوم وستبذل قصاري جهدها ألا يحدث).
السيناريو الثالث: “بقاء الفاشر في يد الجيش السوداني”، وهذا يعني إستمرار المناوشات بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، مما سيعرض كافة مدن دارفور للهجوم تارة والتراجع تارة أخرى، وهذا سينعكس سلباً على واقع المدن الواقعة تحت سيطرة كلا الطرفين، والتي ستعتبر بعد تلك المناوشات بين الطرفين أهدافاً يعد إستهدافها حق مشروع مما سيفاقم الأوضاع الإنسانية، وسيستدعي ذلك تدخل المجتمع الدولي، والسيناريوهات بعد ذلك مطروحة بما فيها “مشروع إنفصال دارفور” والبدء بتنفيذه.
‏- السيناريو الرابع: “إقتسام الإقليم”، بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، ففي ظل إستمرار سباق التسلح بين الجيش السوداني والدعم السريع قد ترجح كفة طرف على طرف أخر في ميدان القتال، ومنعاً لتدويل الملف والذي قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فقد يتوصل الطرفان إلى إتفاق بقبول إقتسام الإقليم فيما بينهم، في مقابل حصول المتفوق عملياً في ساحات القتال على ثلاثة ولايات من مجموع خمسة. (رغم إستبعاد حدوث هذا السيناريو لحرص المؤسسة العسكرية السودانية على القضاء تماماً على المتمردين وعدم التوافق معهم من ناحية، وإصرار المليشيا على الحفاظ على أماكن حواضنها من ناحية أخرى، إلا أن تطور الأحداث في دارفور يبقى مفتوحاً لكافة الإحتمالات).

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى