
بقلم / د. عبد اللطيف البوني
(الحمد لله نحن بالف خير… بل طايرين من الفرح… وما مصدقين اننا قاعدين في بيوتنا وسط أهلنا بعد الشتات الحصل لينا… موية الحنفية كآبة جوو والدش يفلق عديل.. الطواحين شغالة تش.. الموبايل مشحون لمن قال بس والشبكة أربعة خطوط… دواء السكري في تلاجة الجيران ان قلت عوووك يجيك قبل ما تصل الكاف.. ولدي كان مصر يجيب لي طاقة شمسية… قلت ليهو ياولدي الطاقة الشمسية بقت فرض كفاية.. إذا قام بها البعض سقطت عن الآخرين… فتحويلاتك دي خليني أتم بيها الناقصة لي ناس فلان وفلان… السوق فيه الدايرنه والمادايرنه.. البطيخ الايام دي برماد القروش عشان سوق الخرطوم بقي في المشمش.. كذلك المنقة اما البصل فعاضي شوية.. المحاليل والدربات بقيت من صنف الماعون تشحدها من جارك… وكانك بتشحد في ملاح بايت.. المستشفى شغال تمام.. أما المدارس والله المدرسين بقوا مسلوعين عديل.. قالوا عاوزين يعوضوا السنين الفاتت… لحدي الان نحن ما عارفين عاوزين يعوضوا التلاميذ… ولا يعوضوا حقهم (انتهى)
الحمد لله نحن كويسين… بعد الرجوع قعدت حوالي اسبوعين في المعمورة قلت ارتب الفضل من الحاجات.. اكتشفت اني لا أملك من مقومات الحياة الا العزيمة… فخفت العزيمة ذاتها تنهار… فقلت يالنيل الأزرق جاك زول.. الحمد لله انا الان شبعان اكل وشبعان نوم… وعلى قول النكتة غنمي في المدرسة واولادي في الزريبة… تركت اتنين من الجيران في المعمورة.. وقالوا لو امطرت حصو تاني ما مارقين من هناك الا مقابر الصحافة (انتهى)
الرسالة الأولى من شمال الجزيرة وعلي حسب متابعتي الدقيقة للاحوال هناك… أن التعافي قد تسارع بصورة مدهشة… فكل الخدمات العامة من تعليم وصحة قد تمت بالعون الذاتي وبصورة أكبر بتمويل من الأبناء المغتربين… فما من قرية من تلك القرى الا وقام ابناؤها بإنشاء صناديق دعم لها في كل مدن الخليج.. وهناك الأثرياء المحسنين الذين سكبوا المال سكبا في قراهم ولا يريدون جزاء ولا شكورا… وطبيعة هذة القري تجعل اي إضافة لها ظاهرة للعيان.. يعني ليست كرش فيل… اما امنيا فقد قال لي أحدهم والله العظيم الحالة الأمنية احسن مما كانت عليه قبل الحرب… إذ لم نسمع بأن دكان فلان كسروه وبقرة فلان سرقوها وعتود فلانة ضبحوه… وهناي داك نشلوه… فقلت له عشان شفشفة الدعامة نظفت الناس … فرد ابدا ابدا لان الجماعة الطيبين يا اختفوا نهائي مع الدعامة يا لبدوا خائفين…
طبعا المدن كالخرطوم تفتقر لروح العمل الجماعي والعون الذاتي والذي منه… فهي تعتمد على الإدارة الحكومية على المستوى الولائي أو ربما المركزي… فبالتالي تعافيها مرهون بتعافي الدولة… والدولة مازالت مشغولة بالحرب وتداعياتها … محتاجة لزمن لكي تتعافى ومامعروف كيف سيكون ذلك التعافي… خلونا شوية من حكاية الأعمار واعادة الأعمار دي….
نرجع لوراء شوية اي لما قبل الحرب… فنقول ان الخرطوم هذة العاصمة الضخمة… ثمانية ملايين نسمة بالنهار وخمسة ملايين بالليل… لم تكن بخير وشحمها لايعدو ان يكون ورما… تسعون في المية من الكتلة النقدية كانت في الخرطوم.. ليست الجامعات بل حتى التعليم العام كان مركزا في الخرطوم … يكفي ان مائتي الف أسرة كانت مقيمة في الخرطوم من اجل التعليم العام…. روضة اساس ثانوي… متوسط الأسرة خمسة أفراد.. أي مغترب سوداني ان شاء الله من ام صفقا عراض لازم يكون عنده بيت في العاصمة.. أي واحد عنده قرشين تلاتة بالحلال أو الحرام من الجنينة لحدي بورتسودان لازم يكون عنده بيت في العاصمة.. أصبحت البيوت مستودع قيمة.. أموال مجمدة… أي مواطن من غرب أفريقيا أو شرقها يمكن أن يكون خرطوميا.. الخرطوم مرتع النشاط الطفيلي… تجارة عملة.. سمسرة… عربات عقارات مخدرات… وحاجات تانية حامياني.. حطمت الريف وتكلست … باختصار شديد (الخرطوم مكان الرئيس بنوم والطيارة بتقوم والقروش بالكوم) وياربي متين اشوف الخرطوم وقالوا لي في الخرطوم البت تركب العربية وتمشي حديقة البلدية ..زمان ماكانت ردمية في ام بدة أو الحاج يوسف الا لكانت دخلت اغنية بنات توتي….
أظن الان ان هذة الحرب اللعينة رغم كل شي قد اتاحت لنا فرصة لترشيق اي الخرطوم… اي جعلها رشيقة ..َ.ويعود الريف الي مكانه الطبيعي… مزدهرا بالانتاج والناس ضاجا بالحياة…. وعلى هذا الأساس ينبغي أن تكون إعادة الأعمار أو الأعمار من جديد.. ولكن قل لي كيف يا صاح؟ ….