مقالات الرأي

السودان بين رهانات الرباعية وآمال الحلول الإقليمية: مقاربة هادئة في مشهد بالغ التعقيد

بقلم/ الطيب مضوي شيقوق

(كاتب ومستشار قانوني)

في خطوة تعكس اهتمامًا دوليًا متناميًا بالأزمة السودانية التي جاوزت عامها الثاني، تقرر انعقاد اجتماع “الرباعية” في العاصمة الأميركية واشنطن اليوم التاسع والعشرين من يوليو الجاري، قبل اعلان تأجيله في وقت لاحق والذي كان مقررا ان  يضمّ ممثلي “الرباعية المعنية بالسودان”؛ وتضم كلًا من: الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية. وقد جاءت فكرة اللقاء في توقيت بالغ الحساسية، بينما يراوح المشهد السوداني مكانه بين انسداد سياسي متفاقم وصراع عسكري دامٍ يوشك أن يعصف بما تبقّى من مؤسسات الدولة الوطنية.

بين المرجو والممكن

يتوقع ان يتسم البيان الختامي للاجتماع بلغة توافقية تُجدد الدعوة إلى وقف شامل وفوري لإطلاق النار، وتحثّ على العودة إلى مسار سياسي شامل تقوده الإرادة الوطنية السودانية، وتُؤكد على احترام وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه. كما أبرز البيان أهمية تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، في ظل وضع كارثي يعاني فيه ملايين المدنيين من تداعيات الحرب والنزوح وانهيار الخدمات الأساسية.

وإن كانت هذه المخرجات تعكس نوايا طيبة، فإن فاعليتها على الأرض ستظل مرهونة بمدى انخراط الأطراف السودانية الرئيسية في العملية السياسية، لا سيما أن اجتماع واشنطن لم يشهد مشاركة مباشرة لا من جانب القوات المسلحة السودانية، ولا من قيادة قوات الدعم السريع، الأمر الذي يُضفي على النتائج طابعًا رمزيًا أكثر منه تنفيذيًا.

الفاعل السوداني المدني… الغائب الحاضر

تُجمع كثير من الأصوات الوطنية في الداخل السوداني على أن استدامة أي اتفاق سياسي أو وقف لإطلاق النار لا يمكن أن تتحقق إلا بمشاركة فعالة للقوى المدنية السودانية، وفي مقدمتها لجان المقاومة، والقوى السياسية غير المتورطة في الصراع المسلح، والمبادرات الشبابية والمجتمعية التي ظلت تُشكّل طوق نجاة إنساني في لحظات الانهيار الشامل.

وقد عبّر عدد من النشطاء والفاعلين المدنيين عن قلقهم من أن تتحوّل الجهود الإقليمية والدولية إلى مسارات فوقية تتجاوز تطلعات الداخل، أو تُغلب كفّة المساومات السياسية على حساب العدالة الانتقالية وبناء السلام الحقيقي.

موقع الاتحاد الإفريقي و”إيغاد” في معادلة الحل

في موازاة جهود الرباعية، يواصل الاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيغاد” مساعيهما لتثبيت وقف دائم لإطلاق النار، وتيسير عملية سياسية شاملة تراعي خصوصية المرحلة الانتقالية وتضمن تمثيلًا عادلًا لكافة المكونات السودانية. وقد حذّر الاتحاد الإفريقي من مغبّة تشكيل حكومات موازية أو فرض أمر واقع عسكري يُقوّض وحدة الدولة ويُهدّد بإعادة إنتاج التجربة الليبية أو الصومالية بنسخة سودانية.

بدورها، تسعى “إيغاد” إلى توحيد منابر التفاوض، وتكثيف التنسيق بين الشركاء الإقليميين والدوليين، في مسعى لتجاوز حالة التعددية غير المنسّقة التي أضعفت الأثر التراكمي للجهود السلمية.

خاتمة: التحدي الأكبر… والمخرج الممكن

إن الأزمة السودانية، بما تنطوي عليه من تعقيدات بنيوية وتداخلات إقليمية ودولية، لا يمكن اختزالها في مجرد وقفٍ مؤقتٍ للقتال أو تفاهمات ظرفية على تقاسم السلطة. بل تحتاج إلى مقاربة شاملة تُعيد الاعتبار للفاعل الوطني المدني، وتضع أسسًا صلبة لعقد اجتماعي جديد، يقوم على العدالة، والمساءلة، والمشاركة الحقيقية.

وإذ نثمّن الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لاحتواء النزاع وتخفيف المعاناة الإنسانية، فإننا نؤكد أن الحلّ الحقيقي يظل رهينًا بإرادة الداخل، وبقدرة السودانيين أنفسهم على تغليب المصلحة الوطنية على حساب رهانات السلاح وحسابات النفوذ.

> فما يزال للسودان متسع من الأمل، إن أحسنّا الإصغاء لنداء العقل، وفتحنا دروب السياسة أمام ضمير الوطن.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى