مقالات الرأي

*الفاشر المُلهمة ،، حُرّةٌ وأسِيرة*

5Ws-service

 

بقلم / لـواء رُكن “م ” د. يـونس مـحمود محمد 

 

جاعت الفاشرُ الحُرّة وهي في عصمة الوطن، جاعت بسبب الحصار الطويل الجائر الذي فرضته مليشيا الجنجويد ومارست بقسوةٍ منع تسرّب أي مؤونة تدخل المدينة وجعلت ( *صلقة عدس* ) جريمة تُفضي للاعدام الميداني بطريقةٍ مُهينة.

صحيح حاولت القوّات المسلّحة البدائل بالاسقاط المحفوف بالمخاطر لتخفّف ولو يسيرًا من وطأة الجوع الكافر كُفر الجنجويد، غير أنَّ الفتق كان أوسع من أن ترتقه في ظرفٍ بالغ التعقيد عملياتيًا؛ لان انفتاح الحدود السودانية شمال وغرب وجنوب دارفور كلّها اصبحت امتداد لمسرح العمليات الاستراتيجي الغربي الذي يسيّطر عليه الجنجويد، وما يضمنه لهم من تدفق ارتال المساعدات وقطعان المرتزقة، وعمليات الاخلاء والاستعواض، فضلًا عن الاسلحة النوعية ومشغليها الفنيين من اسواق المرتزقة الدوليين ( *وما اكثرهم* ) الامر الذي شدَّ على بطون اهل الفاشر الذين تجاوز عددهم المليون نسمة تضطرب بهم الليالي السوداء، ويؤرّقهم شبح الموت والمعاناة، وتعتصرهم هموم الاطفال في معيّتهم، ويشقيهم التنبؤ بما تخبئه الايام.

الفاشر مدّتْ حبل الصبر طويلًا، طويلًا، وفتلتة من الدم والدموع والانين، واختلف عليها الليل والنهار لمدى اكثر من عامٍ ونصف وهي تناجي سرًّا وجهرًا والعالم المتحضّر يرفع خفيّه على طاولات المكاتب الاممية، ويُراقب غير عابئٍ ولا مكترثٍ بالمأساة التي تحدثُ امامه وبجرأةٍ غير مسبوقة، وبوقاحةٍ مثيرة للاهتمام، مالذي دها هؤلاء الاعيان في حكومة العالم ذات النطاق الاخلاقي المزعوم والقيّم الانسانية المزيّفة والانتقاء المنافق ؟

مات من اهل الفاشر بأثر الجوع ( *الضور* ) والمرض والقهر والانهاك والتعب النفسي خلق كثير، واصفرّت وجوه الناس، وزوى قوامهم، وانهدّ حيلهم، ومع كل ذلك ساندوا الجيش والمُشتركة بآخر كبرياء الرجال وشرف النساء، بينما صمد المقاتلون ببطولاتٍ اسطورية، ودافعوا عن ثغرة السودان الاثيرة دفاعًا مستميتًا حتى قضى الله تعالى امرًا كان مفعولا.

تلك هي الفاشر المُلهمة في ايّامها العصيبة وهي حُرّةٌ في نسق السودان برغم ما مسّها من الضر.

والآن تبقى الفاشر ذاتها ملهمة بعدما اجتاحها مغول العصر، وقتلة العزل الضعفاء، الجنجويد الذين يستأسدون على الناس ويقتلونهم ويذبحونهم ويهينونهم بوصفٍ لا يحتويه لفظ، ولا يعبّر عنه حرف، ولم يسبق في تصوّر الناس أنَّ هذا الفعل الشنيع يُمكن ان يأتيه بشر، خاصّةً اذا كان يدعي الاسلام ويكبّر الله قبل وبعد القتل والاغتصاب !!

السودان لم ينم ليلتها *،، نعم والله ،،* فقد سهرت وسائل التواصل الاجتماعي حتى الصباح تبكي وتندب، وتحكي وتقُص، وتحرّض وتدفع، وتسأل وتفسّر كُل ما يُمكن أن يُقال او يخطر في هذا الشأن، وبالفعل اجتمع الوجدان الشعوري السوداني وتضامن مع الفاشر بتفاعلٍ يؤكّد أنَّ اهل السودان لُحمة واحدة.

خطاب القائد البُرهان مضى في ذات الاتجاه التعبوي، وقطع القول بأنَّ الفاشر لن تبدّل في قناعاتنا تجاه الجنجويد شيئًا، ولن تكون رقمًا في معادلة الحرب تفرضُ على السودان واقعًا جديدًا يُمكن أن يستثمره العدو ورعاته لكسر الارادة، وفضّ الاجماع، وتحييد الهدف.

وما ازهقهُ الجنجويد من ارواحٍ بريئةٍ كُل جٌرمها ان وُجِدت هُناك، وأنَّ لون بشرتها اسمر، فتُذبح من الوريد الى الوريد، او يلتقمها الرصاص بين ثنايا السّب واللعن والصياح المجنون.

فالذي نقلته توثيقات الجنجويد يُحصي الاف المغدورين، حتى مرضى المستشفيات قتلوهم، فما بالك بالجرائم التي لم توثّق ولم يتم بثّها؟!

المُجرم المعتوه عبد الرحيم واخوه الشقيّ البعاتي حميدتي سيتحملان هذا الوزر، وسيبؤان بهذا الاثم، وسيمثلان امام المحكمة احياءً او هلكى.

حقيقةً جُرح الفاشر مُوجعٌ في الجسد، وحدّ السكين في رقاب الضحايا نجدُ اثره في حلاقيمنا، واحساس اهل الفاشر بالخُذلان يقطعُ نياط قلوبنا.

عسى ذلك أن يكون دعوةً للاستنهاض والاستنفار والاستعداد، لانَّ الحرب لم تضع اوزارها، بل لقحت الحرب وولدت توائم الشقاء امثال ابو لولو وبقيّة القتلة المجرمين، وحينما يتوعّد المعتوه عبد الرحيم بقيّة المُدن السودانية انما يخزُ الكرامة في مستثارها، يستفزُ الفراسة في قعر بيتها، فلينظر ماذا يفعلُ الرجال في السودان ؟؟

وهل يستطيعُ أن يطأ المُدن بعدما تطهّرت من ارجاسهم ؟

الفاشر هي الابلغ في الايحاء، وهي الافصح في منابر التعبئة، وهي جماع ثارات اهل السودان على هؤلاء الجنجويد الملاعين.

 

انفروا خفافًا وثقالًا.

ولا تغرّنكم حيل المجتمع الدولي بالتفاوض الكذب والسلام السراب.

 

*{فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }*

سورة النمل، آية 37

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى