بقلم/ أحمد يوسف التاي
(1)
الحزمُ سياجُ العدل..فإن لم يكن هناك حزمٌ في تطبيق القوانين، وشِدِّة في إنفاذها ستكون العدالة عُرضة لعواصف الأهواء والرغبات والأمزجة، و”ملطشة” للمحاباة والمحسوبية واستغلال النفوذ في نظام ظالم يكرس القوانين لحماية نفسه والنافذين والفاسدين فيه وحسب، ولايهتم بأمر الشعب إلا بالمقدار الذي تفرضه مواسم الانتخابات الصورية وشراء الذمم والولاءات..
(2)
ومثلما أن الحزم سياج العدل، فإن العدل أساس الملك والحكم الرشيد، فالملك الذي لايؤسس على العدل فإنما هو تسلُط واستبداد وقهر واغتصاب…وما إجتمع الحزم والعدل في ُنظام حكم إلا وتعاظمت هيبة الدولة وأمِن رعيتُها وتقهقر اعداؤها.
(3)
ثمة شعرة رقيقة بين الحزم والشِّدة الذيْن هما سياجُ العدل والرحمة، والبطش والتسلط الذيْن هما حصن الإستبداد والقهر.
ففي الأولى يكون دافع الحاكم العادل الرحيم هو حماية المجتمع ورعاية مصالحه في أي حكم يصدره ضد الآخرين سواءً أكانوا أشرفًا أقوياء أو ضعفاء وضيعين..وفي الثانية يكون دافع الحاكم المستبد في ما يصدره من أحكام هو حماية نفسه ونظامه وحاشيته والبطانة الفاسدة من حوله، والتكريس لحكمه الأحادي..
(4)
كثير من الحكام في زماننا هذا سواءً أكانوا رؤساء أو وزراء ، أو مسؤولين في أقل مستويات الدولة – كالمدير التنفيذي على أيامنا هذه – يدوسون على الشعرة الرقيقة التي سبقت الإشارة إليها، فيختزل الكثيرون منهم الدولة كلها بكل مؤسساتها الاجتماعية والرسمية والثقافية ، ومصالح شعبها في شخوصهم هم وحسب، فإن كشفتَ فساده لمصلحة الدولة والمجتمع، أباح قتلك، وأحل دمك بفتوى خروجك عن الطاعة وإثارة الفتنة، ولن يعدم القوانين الظالمة المجيَّرة لصالح حماية الفساد والاستبداد..
(5)
السياسة هي فن الممكن، وهيبة السلطان هي مزيج الرحمة والشدة ولا شك في ذلك… والسياسةُ عندي هي حسن التدبير والحنكة و”الملاينة” لتحقيق مصالح الشعوب والخروج من أي أزمة أو مطب بأقل الخسائر… وأي حاكم في الدنيا يحتاج إلى الرحمة والشدة ، فلا بد أن يكون حاسماً شديداً في موضع الشدة بلا مغالاة ورحيماً شفوقاً في موضع الرحمة بلا تفريط… لكن قطعّا الرحمة التي تأتي في غير موضعها هي ضعف وخوار ونقصان من هيبة الدولة..
تساهل الدولة مع شبكات الفساد والتهريب، التي تتحدى الدولة والمجرمين، و حملة السلاح الذين يهددون الدولة ليس رحمة بل ضعف، بعكس استجابة الدولة لمطالب الضعفاء والمساكين الذين لاحول لهم ولاقوة، ولا سلاح ولاغابة فتلك هي عين الرحمة..
(6)
أختلف كثيراً مع الذين يحاولون ترسيخ مفهوم السياسة على أنها لعبة قذرة (Dirty game) لتبرير أفعالهم وممارساتهم القبيحة وتسويق «الميكافيلية» في ثوب الشطارة والمراوغة طالما أنها في النهاية تحقق الهدف ولا يَهُم بأي وسيلة، المهم عندهم هو الغاية.. لكن الحقُّ أن السياسة بلا أخلاق ومبادئ تصبح (بلطجة) والسياسي بلا أخلاق هو قاطع طريق ومنافق دجال.. والسياسي الناجح والمحترم هو الذي يستحوذ على ثقة الجماهير وعلى قلوبهم ويحظى بحبهم من واقع مواقفه النبيلة و»كاريزميته» وترفعه عن الصغائر وطهر اليدين والعفة عن المغنم والاستقامة ونكران الذات ذلك هو القائد السياسي الفذ…
(7)
أعود وأقول إن هيبة السلطان هي ضرورة من ضروريات الحكم الرشيد ، وهيبة الملك معادلة من شقين كما أسلفت (العدل الرحمة) والشدة والحزم) …وكما أن الرحمة مطلوبة بإلحاح ،الشدةُ أيضاً ضرورية وحتمية ، فهي ـ أي الشدة ـ سياج الرحمة والعدل ولا تستقيم الرحمة ولا العدل إلا بها …الرحمة مطلوبة للرعية عامة ما استقامت على الجادة وللفقراء والمساكين والضعفاء من الرعية ، فمن شقَّ على الأمة شقّ الله عليه …ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).. رواه مسلم.
الشدة مطلوبة لتطبيق القانون بدون تردد أو مجاملة أوانتقائية أو شفقة ، وشدة الحاكم في تنفيذ القانون بالحزم والحسم اللازمين لا فرق في ذلك بين كبير وصغير ورئيس ومرؤوس …الشدة مطلوبة وحتمية لفرض هيبة الدولة والحكم والسلطان حتى لا يغري التهاون اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق والأعداء فيعيثوا في الأرض فساداً ويروعوا الآمنين ويزرعوا الفتن ويزعزعوا استقرار الأمة… كما في خطبة الصديق رضي الله عنه :(الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه ) ..
(8)
الحاكم الذي يتسم بالرحمة دون الشدة يذهب بهيبة الدولة ويضيّع مستقبل الأمة وحاضرها ..والحاكم الذي لا يعرف متى يستخدم الشدة والحسم في موضعهما ليس جديراً بالحكم لأنه يعرض أمن أمته للخطر بسبب الغفلة والتهاون ولكونه يفتح باباً للفتن والفوضى القاتلة.. وعليه أن يتذكر دائماً أن الشدة والحزم هما سياج الرحمة والعدل….اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.